أزمة وأكثر من أزمة / ماهر ابو طير

أزمة وأكثر من أزمة

طالب الطب في الولايات المتحدة، يضطر لاقتراض اكثر من مئة وخمسين الف دولار لتغطية دراسته الجامعية، ويخرج مدينا، وهذا امر معروف في كل التخصصات الاخرى، واغلب الاميركيين يعانون من قروض التعليم.
ووفقا لاحصاءات رسمية، فان سبعين بالمئة من الطلبة في اميركا، يستدينون رسومهم الجامعية، ويتخرجون لمواجهة اشكالات السداد، والبحث عن وظيفة.
الديون الطلابية، ازمة كبرى في الولايات المتحدة، وكل المرشحين للرئاسة، يوظفون الازمة، لاستقطاب الطلبة وعائلاتهم في عمليات التصويت، وسط شعارات عن خطط وبرامج لخفض ديونهم، التي تصل الى مبالغ فلكية، تقدر بمليارات الدولارات.
الامر ذاته ينطبق على بريطانيا، حيث ارتفع إجمالي القروض الطلابية إلى أكثر من 100 مليار جنيه استرليني للمرة الأولى، ومن المتوقع أن تصل إلى 330 مليار جنيه استرليني بحلول منتصف القرن، ويبلغ متوسط القرض لسداده»، أي بعد التخرج، الى 32220 جنيها إسترلينيا في إنجلترا و11740 جنيها إسترلينيا في اسكتلندا.
هذا يعني ان التعليم وكلفته باتت مشكلة عالمية، لكننا في الشرق الاوسط، نخضع لعوامل اخرى، ولا تجوز المقارنات، من حيث بيئة المنطقة، التي تشكلت بطريقة مختلفة، سواء عبر الانظمة الجمهورية التي جعلت التعليم حقا مجانيا، كما في سوريا والعراق ومصر، او جعلته مقابل رسوم منخفضة جدا، كما في بعض الدول.
الجامعات الحكومية والخاصة، في الاردن، تعتبر رسومها مرتفعة للغاية، مقارنة بالدخل وجدوى التعليم، وجدوى الوظيفة- اذا توفرت- بعد التخرج، ولو حسبنا متوسط الدخل في الاردن، بالنسبة للاباء والامهات، ومتوسط كلفة التعليم للابناء والبنات، لاكتشفنا اننا امام وضع مأساوي وصعب جدا، يجعل التعليم، مجرد حلم، او يتحول الى كابوس بسبب الاضطرار الى بيع العقار او الارض او رهنهما للمصارف للحصول على قروض، وفي احسن الحالات الاستدانة من الاخرين، كل فصل دراسي لتأمين الرسوم الجامعية.
لا نقارن هنا بين البيئات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، في الولايات المتحدة وبريطانيا، والاردن مثلا، لان كل البنية مختلفة، لكننا نتحدث عما يواجهه الاردنيون بشأن تعليم الابناء والبنات، والكل يدرك ان اغلب العائلات دخلها دون الخمسمئة دينار، وربما اقل وفقا للاحصاءات، وفي حالات اخرى يعمل الاب والام، معا، فلا يتجاوز دخلهما الالف دينار، في حالات كثيرة، مع الادراك هنا، ان هذه ارقام متفائلة، لان عمل الاب والام، مثلا في القطاع الحكومي، سيؤمن لهما دخلا منخفضا دون الثمانمئة دينار معا، وهذه مجرد حالات، تقابلها حالات كثيرة، دخلها اقل، على افتراض، ان الكل يعمل.
القياس الثاني يتعلق بنفقات العائلة، فكم يتبقى من دخل كل عائلة، من اجل استعمال المتبقي في تغطية دراسة الابناء والبنات، وقد قرأت رقما، عجزت في استذكار الجهة التي قدمته موثقا، يقول ان سبعين بالمئة من العائلات الاردنية، لا تستطيع ان تعلم اكثر من طالب واحد، وفقا لدخلها، ولهذا نلاحظ اليوم، ان اغلب العائلات، تواجه مشكلة كبرى، وازمات غير مسبوقة في تعليم الابناء، ذكورا واناثا، مما يضطرهم الى البحث عن حلول اخرى، مثل الاقتراض، او العمل الاضافي للاباء، وحتى عمل الابناء والبنات، وبرغم كل هذا تشتد هذه الازمة.
الجامعات الحكومية، تستغيث وتريد رفع الرسوم، والجامعات الخاصة، تقول ان رفع الرسوم، ضروري، لاعتبارات كثيرة، والاهالي يصيحون مما يواجهون، وفرص العمل اساسا غير متوفرة، وغير مجدية اقتصاديا، لطلبة ينفقون عشرات الالاف على تعليمهم، فيخرجون الى سوق بلا فرص، او يتسم بتدني الاجور، او استغلال الخريجين.
هذا الملف بكل تفاصيله بات بحاجة الى معالجة مختلفة، وقد قال لي رئيس وزراء سابق ذات مرة، وقبل سنين طويلة، ان حماية قطاعي التعليم والصحة، امر مصيري، كي نترك للناس، املا في هذه الحياة، وبما ان قطاعي التعليم والصحة، يتعرضان الى تغييرات كبيرة جدا، فان الازمة هنا، تتعلق بالسؤال حول الذي نتركه للناس، في هذه الحياة، بدلا من هذا الاستعصاء العام.
هذه ازمة ولا بد من حل لها، يعيد الرسوم الى منطقها الطبيعي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى