أظن أنَّني كَبِرت

أظن أنَّني كَبِرت
د. فلاح العريني

غاب الاحساس بداخلي تجاه اشياء كثيرة، أصبحت أكثر هدوءاً و أطول صمتاً و أبخل حرفاً، غبت عن نفسي حتى صرت غير الذي كنت، لا يرضيني ما صرت إليه، و لا معجزة تكفي لأعود هناك، سنوات مرت من عمري و لم أزهر، سنوات مضت و أنا لست أنا، ما عدت أعرف نفسي…
سنوات تمر على روحي القاحلة و لا تُمطِر، ضياع روحي ليس بالضرورة ان يكون علامة للحزن العميق، بل حزناً على أحلام أصبحت رماداً، بعد أن كانت أحلامي كبيرة، تَملأ قاموسي المُفعَم بِالحياة،
أعلم أنَّها فترة تَحوَّل مُرَّة، أعلم أنَّ الأشياء التي آمنتُ بِها طويلاً تغيَّرت وَ تَركتني، أرغَب بِالابتعاد عَن الكُل لِمسافاتٍ طويلة، أحرِّض نفسي على البعد كثيراً، لطالما تمنيت أن أعود طفلا، وبالأخص في هذه الليلة فقط لأطرِق الباب على أمي و أخبرها بأنني خائف جداً، و أربد الاختباء في حضنها، خائف أنا من الحياة فهذا العالم بات مُرعباً….
ماذا لو أنني لم أكبر….
كنت صغيرا أواجه الحياة و الخوف لوحدي، خلف جِدار الصَمت، لكن ضاق صَبري، وَ لم يعد الصَمت مُنجياً، لم أكن أريد لهذا أن يحدث لكنه حدث، لم أتوقع كل هذا من الحياة، إلا أنها بكل قسوة كنتُ دائماً عندما تصفعني الحياة، أقابلها بسذاجة الأطفال….
الآن استطعت أن أراها كما يجب….
الحياة لا تهدينا قطع الحلوى و اللحظات الجميلة، و تهب لنا الناس الطيبين دون أن تسرق منَّا الكثير، فَلا بد أن نتألَّم لا بد أن نَتَعثَّر و نَسقط….
سَيُبنى خَلفَ هذا الألم قوة و خلفَ هذا السقوط بدايات جديدة….
أظن أنَّني كَبِرت و يَجِب أن لا أبكي، فَالكبار لا يَبكون و لا يحتاجون مَن يُضمِّد آلامَهُم في منتصف الليل….
الكبار يجب ألا يخافوا مِنَ الحياة و يجب ان يكونوا متماسكين، متماسكين جداً، و يظهروا قوَّتَهُم أمامَ الجَميع….
أنا كبير!
نَعم….. لَكنَّني لا أريد أن أكون كَذَلِك الآن….
أنا كبير و لكَّني أخافُ مِنَ الحياة، و مِنَ الشبح الذي يختبىء لي تحت السرير….
أنا كبير و لكنَّني أبكي دونَ أن يراني أحَد…
أنا كبير، و لِهذا لَن أطرق بابَ أحَد، و سَأطرق باب الله….
يا الله هذه الروح تشكو قلة الاحساس كما تشكو الأرض قلة المطر، بِعفوِكَ وَ رحمتِكَ يارب ارزقني فَرَحاً غَزيراً أنسى بِه مَرارة وَقسوة الأيام..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى