“آخر آذار”
كان يجلس في المقاعد الاخيرة للصف …فقد درجت العادة ان يكون الصف الاخير للطلبة الفاشلين او من اجبرتهم الظروف على ان لا ينجحوا…. كان ضخم الجثة عريض المنكبين… و زاده هيبة شواربه التي بدأت بالبروز شيئا فشيئا…. كان صوته ايضا خشنا فيه من الغلظة و الحشرجة ما يدع عبود الشاطر يلتزم بمقعده الامامي كل الاوقات….
كانوا يلقبونه بالعجل و لكن في الخفاء…. لم يكن يجرؤ احد على الاقتراب منه او لمس اغراضه… و كانت حدود سطوته تشمل كل اولاد الصف دونما استثناء… كل حسب مقدرته و ما يمكن ان يستطيع خدمة الزعيم المتوج…. لم يكن يحظى باحترام اي احد في الصف ، بل كانوا كلهم تملأهم الغبطة و الفرح في كل مرة يتورط العجل في واجب متأخر او عندما يفشل في قراءة آيات القرآن في حضرة استاذ الدين…. و لكنهم كانوا يخافونه ما بين الحصص و مشوار العودة للبيت….
كان عبود يساعده في واجباته بأن يكتبها له مع ان المدرس نبهه مرات عديدة لعلمه بمستواه المتدني…. كان الاستاذ يعرف ان عبود يفعل ذلك مكرها و لكنه كان يتغاضى عن ذلك…. حفاظا على سلامة عبود و خوفا عليه من بطش العجل…. كان حمودة يقتسم مصروفه بنسبة اربعة لواحد لصالح العجل….مقابل تأمين الحماية له من اي غدر او بطش…. مع معرفتهم بانه – اي العجل- هو مشكلتهم الوحيدة….
كان الاستاذ جسار ذو سطوة و هيبة و قد تنامى لمسمعه تمرد العجل و تحكمه في الصف صغيره و كبيره… و امره بالتأخر بعد الدوام والقيام يتنظيف دورات المياه أملا في كسر نفسيته و تحطيم كبريائه…. في الصباح كان الاستاذ جسار يستشيط غضبا و يهدد و يتوعد… فهيبته باتت في مهب الريح فهذا العجل واقف بالطابور غير آبه بأي شئ و دورات المياه لم تزل على حالها …. كان الجميع يترقب لحظة التصادم بين الاستاذ المهيب و الطالب صاحب المشاكل المتمرد…. و لكن الاستاذ فاجأ الجميع باستدعاء عبود .. و انبه تانيبا شديدا بتهمة مساعدة الطلبة في حل وظائفهم …. و طلب من العجل التأكد من ان عبود لن يغادر المدرسة قبل ان ينظف دورات المياه….
في الصباح… كانت هناك كتابة بالطبشور على حائط المدرسة بخط حمودة…. صباح الكرامة… 30/03
بنرفض احنا نموت … بالله جد !!
“دبوس يوم الارض ”