إنها مسألة حياة أو موت للشعوب / فؤاد البطاينة

الحاكم العربي الذي يبيع فلسطين وحقوق شعبها يبيع قُطرَه وحقوق شعبه.. ليس في الافق حل في غياب الديمقراطيه.. إنها مسألة حياة أو موت للشعوب والدول المعاصرة.. فكيف الوصول اليها؟

الطرح الأمريكي للصفقة وطبيعتها القائمة على بيع وطن وإلغاء شعب بالرشا والتلويح بسَقط المال ، ما كان لعاقل أن يطرحها الا على جهلة تسيرهم صبيانيتهم ومحدودية إدراكهم ، هم بالضرورة متواطئين مستفيدين كالعينة التي أمامنا من أشباه الرجال وحثالة الخونة في التاريخ البشري ، تتمتع بالحماية تحت وطأة الابتزاز بكرسي السلطة والسطو والحرمنه ، في غياب أي حسبة أو حساب للشعب. لكن الصفقة لم تكن من فراغ بل خَلَفاً لمبادرات وصفقات كانت بالقياس تمثل أخر الصفقات المحترمة. أما عينة الخونة من أشباه الرجال فهم خلَف لسلف كان يمثل بالقياس أخر المتواطئين المحترمين. *
يتبادر للذهن هنا فرضية مضللة وهي أن مشكلتنا كشعوب تكمن في حكامنا ، ويترتب على هذا التضليل فعل سياسي مضلل مفترض في مواجهة هؤلاء الحكام الذين يحكموننا ويسيرون اوطاننا ومصائرنا إما باصلاحهم أو باستبدالهم ، إلا أن هذا لا يحل مشكلتنا بل يعمقها. بينما الفرضية الصحيحة والتي تأخذ شكل ومضمون الحقيقة العلمية هي أن المحكوم فردا كان أوشعبا من قبل أي جهة شخصية أو رسمية محلية او دولية لا يمتلك الحرية ولا الوعي ولا القرار ولا الارادة. فمشكلتنا الحقيقية التي نواجهها كشعب عربي هي أننا محكومون لا نمتلك حريتنا ولا قرارنا لنحقق ذاتنا ومصالحنا ونصون أوطاننا وكرامتنا وحقوقنا الانسانية والقانونية والسياسية.*
وهذه المشكلة نابعة من طبيعة حالة الدكتاتورية والتسلط ، وسنبقى هكذا في مسار متراجع ما دمنا كشعوب وكحكام خاضعين لإرادة الغير ومصالحه وقراراته إلى أن نتمكن من حكم أنفسنا بأنفسنا. ولا يتحقق هذا إلا بنظام سياسي ديمقراطي. إنها حالة يعاني منها الحاكم نفسه ويقاسي الشعب معاناتها. فعندما يفقد الانسان ارادته يفقد الميزة الأساسية لانسانيته ويصبح كالخروف ضحية وعاجزا لا يقوى على فعل شيء أكثر من الثغاء.
وعندما يفقد النظام إرادته فإن الأمر لا يقف عند فقدانه لمبرر وجوده ، بل يتجاوز ذلك الى وضع البلاد على بوصلة غير وطنية تودي بالوطن وشعبه. فالحاكم العربي الذي يبيع فلسطين أو يتساهل بحقوق شعبها العربي فإنه بالتأكيد يبيع قطره الذي بأمانته ويبيع حقوق شعبه.
فالإرادة الشعبية في بلادنا ليست وحدها المفقودة بل أيضا الإرادة الرسمية لحكامنا. ولن تكون هناك ارادة مستقرة لدى حكامنا ما لم تكن هذه الارادة موجودة عند الشعب ويستمدونها منه. ولا أرى سببا لغيابها الا في غياب الديمقراطية.
فما معنى أن ترفض اسرائيل التعامل مع أي مشروع أو مبادرة للأنظمة العربية المتحالفة على مدى عمر القضية ، وترفض ايضا المبادرات الدولية رغم أنها كلها تنتقص من الحقوق الفلسطينية ومن قرارات الشرعية الدولية بدءا من قراري التقسيم والعودة. ينما هذا النظام العربي يتعامل مع كل مشروع لاسرائيل تاركا مبادراته وقرارات الشرعية الدولية خلفه. هل هناك تفسيرات لذلك؟. بالتأكيد أن مقوم هذه التفسيرات هو أن اسرائيل لا ترى من المنطق السياسي أن تضع سقفا لأطماعها أمام حكام منزوعي الشرعية ومنزوعي الارادة ومقموعين ومرتهنين، مع شعوب لهم تتمتع بنفس المواصفات أمام حكامها في غياب الديمقراطية وسلطة الشعب.
فالديمقراطيه هي مسألة حياه أو موت للدول والشعوب المعاصرة في هذا النظام الدولي الذي يفتقد لمبدأ الأمن الجماعي الذي يقوم على حماية الضعفاء وحقوقهم من الأقوياء وليس افتراسها. إن غيابها وحده الذي يمكن العدو من أي دولة وأي شعب ، في حين أن وجودها كفيل بحماية الدول والشعوب وحكامها لا سيما في ظل النظام الدولي القائم ، والقائمة ركيزته على نظام مجلس الأمن الماسك بزمام القرار والتأثير الدوليين. إن تحريم الديمقراطية علينا كعرب هي الأداة الأساسية التي يعتمد عليها العدو والخط الأحمر الفعلي عنده.
أمَّا السبيل للديمقراطية فيقودنا الى مواجهتين. الأولى بين الشعب العربي وثقافته الموروثة الأبوية والمشيخية والرعوية التي لا تتقبل الديمقراطية ، رغم أن الاسلام أوصى بها في الكتاب الكريم الذي وضع دستورا لنا ورسالة للعالمين. فالأمر عندما يكون شورى بيننا فإنه يتجاوز مفهوم الحكم والحاكمية الى الفعل والقرار الجمعي في كل مستجد. فنحن هنا أمام مسألة تغيير ثقافة وبنفس الوقت أمام أنظمة قائمه على مفهوم الدكتاتورية ولها فيها مصلحة وأولوية وأعوان أقوياء. فلا نعول على مساعدتها وليس لنا مصلحة في تغيير وجوهها. بل نعول على دور ممكن للبيوتات السياسية والثقافية والاجتماعية الشعبية وعلى رأسها الأحزاب والنقابات والبرلمانات والمنظمات الوطنية غير الحكومية التي كلها قائمة في بيئة دكتاتورية تتعايش معها بعيدا عن القرة على التغيير من الواقع ومن السياسات الخارجية والداخلية للأنظمة والحكومات.
ولا بد لهذا الاجسام السياسية أن يُستغل وجودها اللامنتج نحو ما تستطيع فعله من عمل على صعيد الهدف الاستراتيجي الديمقراطي ، بأن تجعل من أساسيات عملها وضع برامج عمل للتنمية السياسية الشعبية ولتوعية شعوبنا على الديمقراطية ونشر مفاهيمها من منطلقات تهمهم وتقوم على إقناع الناس بأن النظام الديمقراطي هو الأفضل والأقدر على تحقيق مصالح الفرد والجماعة وحقوقهم وضمانها وعلى حمايتهم وحمايتها في وطن حر لا يستطيع اختراقه العدو.
من المؤلم جدا ومن الحكمة أن نقرأ نتائج التجربة الاردنية للجسم النخبوي السياسي والثقافي والنقابي والاجتماعي وحتى البرلماني في أصعب مرحلة نواجه فيها تحديا صهيونيا وجوديا ، هذه التجربة التي كشفت العجز عن توعية الناس على واقعهم والواقع السياسي وعن اقناعهم للخروج للشارع تعبيرا عن رفض الصفقة ورفض مشاركة الاردن في ورشة البحرين. فالشعب لم يخرج اطلاقا ، ومن خرج هم جزء من الجسم الحزبي والحراكي والنقابي ولم أشاهد مواطنا او مواطنة اردنية من عامة الشعب لبى النداء وخرج.
أما المواجهة الثانية فهي مع العداء الغربي والصهيوني للتحول الديمقراطي في بلادنا، وترسيخ الدكتاتوريات من خلال حرب يخوضها على جبهتين. الأولى تقوم على صنع عملاء لهم في قطاعات الدولة يدعمونهم ويستخدمونهم ، ولعل الماسونية من أهم القنوات لذلك. ما الثانية فهي على صعيد الجيوش وتكمن في اختراقهم لعسكرنا بغرض تسليمهم السلطة لمنع التحول الديمقراطي المدني. ومعروف أن العدو يستغل في هذا الدورات والبعثات العسكرية من دولنا ويشجعها. ومنها يصطاد ويعبئ رجاله ما استطاع لذلك سبيلا ويزرعهم في جيوشنا. فلديه رصيد منهم وبدلاء.
وبهذا ، فإن لذات النخب والبيوتات والوطنية والثقافية المنتشرة بأسماء محتلفة واحزاب ونقابات وكتل برلمانية حرة عديمة الجدوى في الاصلاح او التغيير ، الدور القادرة عليه في أن تنشر هذا الوعي بكل الوسائل على مستوى الدولة بنظامها وحكوماتها. فالمصلحة الشعبية والوطنية تتقاطع في هذا مع مصلحة الأنظمة حيث أن هؤلاء الذين يتم زرعهم في جيوشنا بغرض التصدي للحكم المدني الشعبي للحيلولة دون التحول الديمقراطي هم بدلاء جاهزون لرؤوس الأنظمة ويؤدون أدوارا لا تؤديها الأنظمة ومفروضين عليها في كثير من الأحيان بطرق الدعم والتزكية.
كاتب وباحث عربي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى