التغريد لا ينضج خبزاً

مقال الأربعاء 2-5-2018
النص الأصلي
التغريد لا ينضج خبزاً
في عيده المنسي بين ورق التقويم الأصفر ،يستيقظ هو من فراش الشمس باكراً ونقضم نحن النوم الطويل عنه ،عند انتصاف النهار نتثاءب قليلاً ، نغلي قهوتنا ، نفتح أجهزتنا ،نكتب منشورات قصيرة تتغني بسمرته،بعرق جبينه،بإخلاصه للوطن، بصمته المغمس بالخوف..نستثمر شقاءه في زيادة رصيد متابعينا ، نصعد على كتفه المجروح بـ”التغريد” فنزيده وجعاً و عوزاً وظلماً وضيقاً في العيش..
**
من “نغرّد” لهم ، ليس لديهم حسابات على “تويتر”، ولا يحفلون بصفحات “الفيسبوك” إنهم أبسط من ذلك بكثير،وأحوج من ذلك بكثير،لم يصلوا بعد الى ذلك الترف الذي يمضون فيه الفراغ في التعبير عن الرأي ،بينما الأفواه الجائعة تنتظرهم خلف بوابة الدار بانتظار كيس الخبز وما تيسر من الخضار،وفي آخر الشهر ينتظرهم إيجار بيت وفاتورة كهرباء وأجرة طريق مضاعفة ونظرة دونية من سائق الحافلة ،هم لا يعدّون حروف “التغريدة” كي لا تتجاوز الحد المسموح، هم يعدّون ما بقى في الجيب من مصروف اليوم كي لا يتجاوز الحد المسموح، يفاضلون بين صناديق البندورة أيها أكثر وزناً وامتلاءً حتى تدوم في مطبخ العائلة أكثر وتسدّ الرمق أكثر، هم غير معنيين بـ “التغريد” الأزرق ما دام صوت الأنين الأحمر أعلى كثيراً،وأوضح كثيراً، وأفصح كثيراً..
نكتب عنهم بكامل أناقتنا،ما أبشعنا حتى في يومهم نسرق منهم حق التعبير، نريدهم ان يبنوا الوطن ونسرق منهم المعول،نريدهم أن يخدموا الأرض ونبيع التراب، أن يحمدوا العيش ونسرق الرغيف، أن يكملوا المسير ونصادر الطريق والرصيف ، أن يقوّوا ظهورهم ونمعن فيهم الضرب العنيف..
نغرّد للعمال في عيدهم، ونحن نعرف أنهم قد هادنوا أجسادهم الا تمرض كي لا يجوعوا،وهادنوا أفواههم الا تصرخ وان نزفت الأصابع دماً واغتراباً ، هم يتعمّدون ان يجهدوا أنفسهم في النهار كي لا يحلموا في الليل ، فحلم الفقير خطير،وحلم الفقير ان رضع التأمل صارت له أظافر وأنياب .. نغردّ لهم بحنجرة من ذهب،وبحروف من حرير ..متمنين لهم القوة والصحة والبقاء..ونحن نرفع بخيط المديونية “اللقمة” ونكسر “الحقنة” ونرميهم بحجارة من شقاء..التغريد لا ينضج خبزاً، العاطفة الناشفة تغصّ في حلق الفقير..لا تكتبوا عنهم..فقط أطلقوا سراح الطحين والماء وارفعوا الحظر عن النار..عندها سينضج الرغيف وحده!

احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. يستحق العامل في يومه الوحيد في السنة ان نقول له شكراُ لعطاؤك الذي لا ينضب .. شكراً لصبرك وجهدك وصحتك .وكل عام وأنتم بخير

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى