
هوامش على دفتر الواقع العربي المأزوم !!
هوامش عديدة يمكن أن تكتب على أطراف دفتر واقعنا العربي المتأزم بعد أن تحول هذا الواقع إلى حالة استثنائية من اللامعقول السياسي والاقتصادي والثقافي وميداناً ومسرحاً للتأمل والمدارسة والمعاينة وبرهة تاريخية تجريبية للاستقراء والاختبار بعد فشو الانسداد والاستعصاء وفقدان المناعة فيه حد الكارثية ، ولذا فلا غرو بأن تنشأ حول هذا الواقع الأفكار المختلطة والمتناقضة وأن تبقى صفحاته ومتنه وهوامشه حقلا للقول والتأويل والاستفهام والقراءة وأن تصبح إشكالياته محط حيرة الباحثين ومبعث اضطرابهم ونأيهم عن ضبطها في صراط وأنساق من الوضوح والاستيعاب والتجاوز .
الانسداد التاريخي أصبح يمتد في حياتنا العربية ليشمل كافة مستويات الواقع وكل مظاهر الوجود ، والتأزم أصبح سمة لصيقة بهكذا واقع ، وإمكانات التشخيص والادراك والتوصل إلى قناعات وتفاهمات ويقينات أصبحت صعبة إن لم نقل متعذرة أو مستحيلة لأسباب مفهومية غرائبية تجري في هذا الواقع وتجعله أصماً مستشكلاً لا مسارب فيه ولا مفاتيح للدخول وتتفشى فيه هجانة وشذوذات تستعصي في الكثير من الأحيان على القدرات الطبيعية للتحليل والادراك .
هكذا غدا واقعنا العربي وهذه تجلياته التي نحوم حولها بقدرات فكرية متواضعه وصراعية في معظم الأحيان ولا نجد سبيلا الى تجاوزها فنبقى إما في دائرة التفاؤل الغيبي والمجرّد أو العدمية البائسة أو نبقى في دوائر التلبيس والتدليس والسجالات العبثية الهابطة ، وكلها مقامات وحالات وأوضاع بائسة وفاشلة لن تجدي فتيلا ولن تغير واقعاً ولن تزيح تأزماً وتبقى بكل حالاتها نزعات لندب الحظ والرثاء والإنقهار والانحسار .
في واقعنا الكارثي الجديد هنالك اختلال كبير في مفهوم الدولة ودورها وفي كل ما يتبع من معانيها ( السيادة ، التنمية ، المواطنة ، التعامل مع الأقليات والإثنيات والمذهبيات ، أبعادها القومية والاقليمية والدولية الخ. ) ، وهنالك التباسات ومزالق في تحولها منذ أمد إلى سلطة زبونية تقوم على مركّب المال والقبضة الأمنية والعصا والجزرة ، وفي ابتداعها لأنماط من ” الاستبدادية التحررية ” التي تجمع – كما يقول جماعة العلوم السياسية – التعددية الموجهة والانتخابات المسيطر عليها والقمع المنتقى واستقطاب معارضات تتوافق معها على هذا النمط من الابداع الاستبدادي ” الديموقراطي ” وتوفر له الاستساغة والقبول .
كذلك هناك اشتغال على تفكيك المرجعيات الكبرى للأمة كمقدمة للتفتيت والتذرير وغياب وتغييب وتتفيه كبير لمفهوم الأمة الواحدة والبعد القومي في سياسات وممارسات ونظرات الدولة العربية ( الفاشلة راهناً الى حد كبير ) وظهور الدول والدويلات على هيئة جزر متباعدة يقوم وجودها على فكرة التبعية والاستتباع للخارج وتقديمه على أي محاولة في البحث عن مجال في الاطار القومي وتطوير العلاقات بين الدول العربية ، وهو ما أدى الى كل هذه التصدعات والتمزقات المريرة بظهور واقع متراجع ومتهاوٍ بلا محددات وبلا ماهية وهوية واضحة ، وحدوث اختراقات واستدخالات تفتيتية تقوم على الفكر الانفصالي والطائفي الهائج المتوحش الذي يقدم للكيان الصهيوني كل فرص الراحة والاستكبار والامتداد وقضم المزيد من الأراضي العربية .
في واقعنا الراهن تنعقد القمة على هذا النحو الفقير والمؤسي ، وتؤسس الدولة الفاشلة العميلة في العراق من الحشد الطائفي حرساُ ثورياً على الطراز الايراني وتختار سليماني ليكون مستشارا للجيش العراقي ” وفقاً لتصريحات الجعفري ” وتواصل الثأر من الحزب القومي الرئيس الذي بنى العراق العروبي الحديث على مدار خمسة وثلاثين عاماً وأشعل المقاومة الباسلة ضد الغزو الأمريكي باتخاذ قرار بحظره ومعاقبة كل من ينتمي اليه . وفي واقعنا العربي الراهن يقف الشعب العربي الفلسطيني وحيداً أعزلاً موزعا بين سلطتين بائستين ويتم القتل والتنكيل برجاله وشبابه واعتقال جثث شهدائه دون أن يرفّ لأحد جفن .. في واقعنا حاضر يمدّ نفسه على سرير الموت وفقاً لشذرات أدونيس .
وعلى الرغم من كل ما تقدم وسلف يبقى التحدي والامتحان والرهان في مرحلتنا الراهنة في كيفية سبر واختراق هذا الواقع الكارثي المتصدع والمشظى بأدوات وأجهزة مفهومية مغايرة وبطرائق نظر لا تخضع لضغوط الواقع واستشكالاته ولا تراه وهو في أفق هذا الانسداد قدرا أزلياً وترى المجال مفتوحاً لتفكيك عناصر انسداده وانغلاقة وكارثيته إذا ما اجترحنا نقاط بداية تؤسس لواقع عقلاني مختلف ، وإذا ما أزحنا من أمام أنظارنا بدعة الاستعصاء والمستحيل وانعدام البدائل التي يراها الفكر الاستشراقي الحديث سمة قارّة في حياة العرب عند النظر الى وجودهم ومستقبلهم .
