لغتنا الجميلة

لغتنا الجميلة
د. هاشم غرايبه
القرآن الكريم ليس ككلام #البشر، فهم لا يمكنهم ان يضاهوه في دقته البالغة في اختيار #الألفاظ الدالة على المعنى المراد بلا لبس، ولا يمكن أن تجد في أي موضع استعملت فيه تلك اللفظة ما يخالف هذا المبدأ، وللتوضيح سأورد الأدلة على ذلك
1 – في سورة يوسف قال تعالى: “وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ ٱلْأَحَادِيثِ”، ولم يقل الرؤى في المنام، لأن تأويل الأحاديث يكون في تفسير ما تحدث به المرء عن رؤياه في المنام، أما تأويل رؤياه التي جاءت في قوله تعالى: “يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا”، فلم يعلم تأويلها، فما علمه إلا بعد أن حدثت فعلا بعد زمن طويل، وحينها قال: “يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا”.
2- الدقة في #دلالات استعمال الفعل #الماضي والحاضر في الرؤى، فقد قال تعالى على لسان يوسف: “يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ”، بصيغة الماضي لأنها كانت مرة واحدة لإبلاغ يوسف بما سيحدث مستقبلا.
بينما جاءت بصيغة #المضارع في قوله تعالى على لسان ابراهيم: “إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ”، وعلى لسان الملك: “إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ”، وعلى لسان رفيق السجن: “إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا”، وجميعها جاءت بالمضارع للدلالة على أنها رؤيا متكررة.
3 – الفرق في الدلالة بين القبور والأجداث
وردت لفظة (القبور) في القرآن الكريم خمس مرات: [الحج:7]، [فاطر:22]، [الممتحنة:13]، الانفطار:4]، العاديات:9].
ونلاحظ أنها فيها جميعها دلت على معنى واحداً للقبور، فهي الأماكن التي دفن فيها الموتى، وسواء تحدثت الآيات عن أن الله تعالى سيبعثهم يوم القيامة أو تحدثت عن بعثرة القبور يوم القيامة أو تحدثت عن أن سكان القبور لا يسمعون لأنهم موتى ، فإن المعنى الثابت للقبور يظل هو المكان الذي فيه الموتى.
أما الأجداث فقد ذكرت ثلاث مرات في القرآن الكريم، وذلك في : [يس:51]، [القمر:7]، [المعارج:43].
ونلاحظ أن الآيات الثلاث أنها لم تتحدث عن موتى، بل تحدثت عن أحياء، لأنهم في آية يس ينسلون، وفي آية القمر يخرجون وأبصارهم خاشعة، وفي آية المعارج يخرجون سراعاً، وهذا يعني أن الأجداث لم تعد قبوراً .
4 – في دلالات استعمال يقضي ويفصل: هنالك اختلاف دقيق نجده عند المقارنة بين قوله تعالى:
“إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ” [الجاثية:17]، وقوله تعالى: “إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ” [السجدة:25].
سنلاحظ أن (يقضي) جاءت حينما يكون السياق متعلقا بالحكم بين فرقاء مختلفين لكنهم على ملة واحدة، لذلك وردت في القرآن ثلاث مرات: [يونس:93]، و[النمل:78]، و[الجاثية:17]، لكنها جميعها في بني إسرائيل.
أما لفظة (يفصل) فجاءت في معنى الحكم بين الفرقاء أيضا، ووردت هي الأخرى ثلاث مرات ولكن في سياق الحكم بين فرقاء على ملل مختلفة، كما يلي:
الأولى: “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ” [الحج:17] ، فجاءت في الحكم بين ست ملل بعضهم على ملة الكفر وبعضهم الآخر على ملة الإيمان.

الثانية: جاءت في قوله تعالى: “لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ ۚ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ” [الممتحنة:3].
حيث يتحدث السياق عن مشركي قريش (ملة الكفر) وحربهم على المؤمنين (ملة الإيمان) رغم أن من بين الفريقين آباء وأبناء وأرحاماً هنا وهناك في كلا المعسكرين.
الثالثة: جاءت في قوله تعالى: “إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ” [السجدة:25]، وهنا تحدث تعالى عن فريقين من بني إسرائيل: المؤمنين وهم الذين اتبعوا موسى وآمنوا بما أنزل عليه، والفاسقين الذين اذا ذكروا بآيات ربهم أعرضوا عنها.
ونفهم من ذلك أن المؤمنين والكافرين ولو كانوا ينتسبون بالدم الى جد واحد، وتجمعهم أرحام واحدة، فهما أمتان مختلفتان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى