الوطن بين المكاسب والمناصب

الوطن بين المكاسب والمناصب
د. حامد ابو صعيليك

للهِ درُّ اللغةِ ما أعمقها وما أبلغها !
المكاسبُ والمناصبُ ، كلمتان خفيفتان لطيفتان عنيفتان تختصران زمناً، وتضعان اليدَ على الجرح دونما حاجةٍ إلى تشخيصِ طبٍ ، أو عـرافةِ عرّاف ..دونما حاجةٍ إلى إضرابٍ أو تعطيل دوام ، أو وقفات احتاجية في ميادين التحرير أو ميادين الرابع أو الخامس أو حتى الريفيرس …..
أقول هذا وأنا أُصغي لكلمات المطرب التونسي الكبير ” لطفي بشناق في أغنية ” أنا مواطن وحاير انتظر منكم جواب ” !!!
فأدرك أن – الوجع – هو آخر ما تبقى من مخلفات الوحدة العربية البائدة ، وأنّ العربي حائرٌ ينتظر الجواب إن كان في تونس أوليبيا أومصر أو العراق ، وفي كل ديار العرب ” .
وأدرك أنّ المواطنة هي القلبُ المرتجفُ على الوطن ، وأنّ الوطن هو الغاية لا الوسيلة ، ” خدو المناصب والمكاسب لكن خلولي الوطن ، لا حروب ولا خراب لا مصايب لا محن ” .
المناصب والمكاسب هما السُّم الذي يسري في خلايا ومفاصل الأوطان ، هما اليدان التي تعبثان بأمن الآمنين وعيش الكادحين .
المناصبُ والمكاسبُ هما العَصَيان اللتان توضعان في دواليب الأوطان لكي لا تدور ، هما أكوام الحجارة التي تـُلقى في طريق الوطن لكي لا يسير !
في العراق في ليبيا في لبنان والقائمة تطول ، لا شيء سوى ” المكاسب والمناصب ” ، لا شيء سوى الكعكة التي يصنعُها الفقراءُ ويقتسمُها الفُـرقاء ، ويجني ثمارها الغرباء !
أغنية ” أنا مواطن ” على بساطة كلماتها ، صالحة لأن تكون ” مدونة ألم ” قابلة للتطبيق على امتداد جغرافية يعرب الكبيرة.
أنا مواطن…واكتفي بصبري وصمتي ”
ما أخاف الفقر لكن كل خوفي من الضباب
ومن غياب الوعي عنكم كم أخاف من الغياب ”
محزنٌ حدّ القهر هذا المواطن الذي اكتفى ” بصبره وصمته “! وهو يهتف في بيروت ” بحبك يا لبنان يا طني بحبك ” ، و ” مكملين ” في ساحات القاهرة ، ” ومنصورة يا بغداد ” في عاصمة الرشيد العريقة ..
مؤلم حدّ الموت هذا المواطن المكابر وهويهتف ” ما أخاف الفقر ” ، وهو مؤمن أنه يواجه الإفقار والتفقير، ” وهو يهتف : ” يا وطن وانتا حبيبي انت عزي وتاج راسي
انت يا فخر المواطن والمناضل والسياسي
انت اجمل انت اغلى انت أعظم من الكراسي ”
لكن كلّ خوفه من الضباب ” ، الضبابُ المزمن الحادُّ الذي يلف أوطاننا من مشرقها إلى مغربها …تعاقبت علينا كل الفصول ، والضباب في بلادنا لا يغادر، يأخذنا كل عام إلى مجهول جديد من ” الفقر ” و ” الدين ” و” الغلاء ” وكل أصناف الفساد.
عذرا بشناق – ليأخذوا حصتهم من مناصبنا وينصرفوا – أما المكاسب فهي للغلابى الذي حفروا وعمرو أوطانهم .لأولئك الذين يسيرون في اتجاه وتسيرحكوماتهم في الاتجاه المعاكس.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى