التاريخ الديني-2 / د . هاشم غرايبه

التاريخ الديني-2

على الرغم من اعتقاد غير المؤمنين بأن الدين ابتدعه الإنسان وليس إلهي المنشأ، إلا أن أحدا لم يمكنه إثبات ذلك، مثلما لم يستطع أي منهم توصيف ذلك على وجه التحديد وليس الظن.
لغويا: الدين مصدر مشتق من الفعل “دان” أي اعتنق واعتقد بفكرٍ أو مذهبٍ ما واتبع تعليماته، وبغض النظر عن كون مصدره إلهيا أو بشريا ،أما اصطلاحا فهو جملة من المباديء والتشريعات يلتزم بها ويطبقها الشخص اختياريا وبقناعته.
سوف يقتصر تناولنا على الدين السماوي (الإلهي المنشأ)، لأن الأفكار البشرية هي محاولات فلسفية لتفسير الوجود البشري وعلّته وتبقى مجرد نظريات تأملية لا تؤمن بكون الوجود خاضعا لسيطرة الإله، وتلحق بها المعتقدات الوثنية مثل تأليه الطبيعة كالحجر أو البقر (البوذية والهندوسية) أو البشر مثل اعتبار طبقة الحكام من نسل الآلهة ( مثل المعتقدات القديمة في شرق آسيا وأمريكا الجنوبية).
على أنه ليس من المستبعد أن تلك المعتقدات الوثنية كانت أصولها رسالات سماوية محيت معالمها على مر العصور وبقيت الرموز المادية كوسيلة للإشارة الى الله غير المنظور، بدليل أن المشركين في كل العصور لم يكونوا يعبدون الأصنام عن اعتقاد بأنها الآلهة بل تجسيد رمزي لها في ظل عجز العقل عن تخيل الله.
إن توجه البشر منذ القدم نحو البحث عن الإله لم تكن مجرد ترف فكري أو بدافع الفضول، كما يزعم من ينسبون الدين الى الإنسان، بل لأنه إحدى الحاجات الغريزية، والتي اختلف علماء الإجتماع على تحديدها، ومنهم “ماسلو” الذي اقتصر على المادية منها، لكنها في الأهمية تأتي ثالثا بعد حاجة حفظ الحياة والبقاء بتأمين الطعام والحماية من الأخطار المهددة لحياته، وثانيها حفظ النوع بالتزاوج لتكوين الذرية، ثم حاجة معرفة سبب الوجود والخلق، حيث ثبت أنه لوعزل الإنسان منذ ولادته فسوف يتبع التسلسل ذاته في اهتماماته.
لذا فالحاجة الى الدين قد أودعت في النفس البشرية من قبل من خلقها لتدفعه الى معرفة الخالق، وهو علة خلق الإنسان وسبب وجود الكون والمخلوقات، وتلك المعرفة تقود الى عبادته، لأنه لو عرف الأمر ولم يعرف الآمر وقدراته فإن النفس البشرية سوف تتفنن في التفلت من الأمر.
وعليه فقد جاءت الرسالات السماوية بهدف توجيه العقل البشري الى الوجهة الصحيحة، لعدم قدرة المدركات الحسية البشرية على إدراك الذات الإلهية”لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ “، ثم لتبيان التشريعات التي تكفل تنظيم معيشتهم.
كل المرسلين هم أنبياء كُلفوا بحمل رسالة من الله الى قومهم، والنبوة حالة منحت لعدد محدود من البشر لغايات تلقي الوحي الذي هو مجرد ناقل، لذا فإننا نجد في القرآن الكريم ذكر لكل أقوام المرسلين، ما عدا المسيح عليه السلام فهو لا قوم له فهو قد خلق مختلفا عن البشر ومن أم بلا أب، كما تميز محمد صلى الله عليه وسلم بأنه أرسل لكل البشر وليس لقومه فقط.
بعد هذا الإستهلال يمكننا استذكار تاريخ الرسالات الثلاث في المقالات القادمة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى