سرقات أدبية وتزوير في كتاب اللغة العربية للصف الثامن

سرقات أدبية وتزوير في كتاب اللغة العربية للصف الثامن
كتب … موسى إبراهيم أبو رياش
استجابة للنداءات اليومية من وزير التربية بالابتعاد عن مقارنة الكتب الجديدة بالقديمة، وضرورة قراءة الجديدة؛ لرؤية ما بها من تطوير وتحديث ومهارات جديدة تحث على التفكير والإبداع والتسامح والتعاون والعقل النقدي وتوظيف التكنولوجيا، وغير ذلك، بهدف صناعة جيل واع مفكر محاور متسامح متعاون متفتح ومرن. قمت بقراءة الجزء الأول من كتاب اللغة العربية للصف الثامن، وهو بالمناسبة كتاب ابني، فلست مستعداً لشراء أو حتى إستعارة كتب مدرسية بهدف نبشها وإثارة أعشاش الدبابير على السيد الوزير!
ولكن بداية، لا بدَّ أن أبيِّن أنني لست من أهل الخبرة والاختصاص والرأي في اللغة العربية، وضعيف جداً في كتابة الهمزات، وأرجع إلى زوجتي أو ابني الأصغر في أحيان كثيرة، منذ كان في الصف الخامس –مش عيب- حتى لا أقع في خطأ، ليس خوفاً من كلام الناس، ولكن حباً باللغة العربية التي أرى أن اتقانها نوع من العبادة؛ لارتباطها العضوي الوثيق بالقرآن الكريم. فمن أتقن العربية، فهم القرآن، ومن فهم القرآن كان أبعد الناس عن التطرف والتعصب والإقصاء والشر؛ لأن القرآن حب، ومن ذاق الحب لن يعرف السواد إلى قلبه سبيلاً.
بعد قراءة أولية للكتاب خرجت بملاحظات عديدة، لن أتطرق للأخطاء في علامات الاستفهام للأسئلة، وركاكة بعضها، وعدم كتابة (عليه السلام) بعد ورود اسم موسى عليه السلام في موضعين، وعدم وجود أمثلة تطبيقية لكل من الرسالة والمقالة؛ كون هذه الطبعة تجريبية، برسم التعديل.
ولكن ثمة ملاحظات ضرورية، لا بد من الإشارة إليها:
أولاً: يحتوي الكتاب مضامين إسلامية، تمثلت في: (6 آيات من سورة القصص) في الوحدة الأولى (كنص قراءة) وما تبعه من تحليل، ووردت في الوحدات الأخرى عبارة (السلام عليكم)، (بسم الله الرحمن الرحيم)، (طيب الله ثراه)، (الأوراد)، (مئذنة) مرة واحدة لكل منها.
ثانياً: أنشطة الحوار والتفكير، اقتصرت في معظمها على قسم (التحدث) في كل وحدة، من خلال نشاطين هما (تحدث إلى زملائك…) و(حاور زملاءك…) تكررا في الوحدات الثمان، دون أي تغيير ، وكأن اللغة العربية عجزت عن إيجاد مرادفات تخفف من الملل والرتابة من التكرار، ألا يستطيع المؤلفون مثلاً كتابة (ناقش أفراد مجموعتك)، (استمع إلى آراء زملائك)، (اكتب خلاصة الحديث بينك وبين زملائك)، (فكر وزملاءك)، (تأمل وزملاءك)، (ابحث وزملاءك)، (بالتعاون مع أفراد مجموعتك، اختر أحد الموضوعات الآتية للحديث به أمام طلبة الصف)، …. علماً أن فكرة هذين النشاطين كانت متضمنة في الكتب القديمة، وبكثرة.
ثالثاً: توظيف التكنولوجيا ومواكبة العصر، اقتصرت على (النشاط) في نهاية كل وحدة، وتكاد تكون نمطاً واحداً: (عد إلى المكتبة)، (عد إلى الإنترنت)، (عد وابحث في الإنترنت)، (عد وابحث في الإنترنت وأكتب)، (عد إلى الانترنت واختر واقرأ)، وفي الوحدة الأخيرة اختلف النمط قليلاً: (استعن بالانترنت واكتب تقريرا)، (شاهد فيلم قاهر الظلام ودون انطباعاتك)، (اجمع معلومات)، (عد إلى أعمال الشعراء). وهذه كلها وزيادة نشاطات كانت متضمنة في الكتب القديمة.
وقد ورد في نشاط الوحدة الثالثة (اكتب مطوية باستخدام برنامج الناشر Publisher)، علماً أن هذا البرنامج، كان يُدرَّس للطلبة في الفصل الثاني لمبحث الحاسوب القديم، ولا وجود له في الكتاب الجديد، أي أنه مهارة لم يتعلمها الطلبة بعد، فكيف يستخدم الطلبة برنامجاً لا يعرفونه؟
رابعاً: ورد في صفحة 32: يطلب من الطالب كتابة (رسالة إلى أخيك الذي يدرس في الخارج، تحثه فيها على الجد، وتنصحه بعدم إغفال واجباته، محذرا إياه من اللهو والعبث.) هل من المناسب أن يكتب طالب في الصف الثامن رسالة بهذا المعنى لأخيه الذي يكبره بخمس سنوات على الأقل؟ أين احترام الكبير في هذا النشاط؟؟
خامساً: في صفحة39، سؤال 2 وردت عبارة (يصارع الأمواج): البطل لم يكن يصارع الأمواج وإنما تيارات النهر وقواه الهدامة، وهذه ليست أمواجاً. إذ لا أمواج في النهر.
سادساً: عدم وجدود معجم المصطلحات، وقائمة المراجع والمصادر، ولا حجة بوجودهما في الجزء الثاني، فكل جزء مستقل بذاته، ومن حق الطالب والمعلم والدارس أن يجدها في الجزء الذي بين يديه.
سابعاً: وردت في الكتاب مجموعة من النصوص، دون ذكر لمصادرها، مع أن المصادر ذكرت لنصوص أخرى، وهذه الآلية(الذكر للبعض والإهمال للبعض)، لا يفسر إلا أنه سرقة أدبية، وعدم المحافظة على حقوق المؤلف والملكية الفكرية، ولا اعتبار لوجود المصادر في قائمة المراجع –إن وجدت- فالأصل أن يُسند النص إلى مصدره، ومن الأمثلة على ذلك:
1- صفحة12: موضوع (كتابة مقالة) منقول حرفياً من موقع موضوع: https://goo.gl/igam5F
علماً أن الموقع نشره بتاريخ 15-1-2015 والكتاب تم إقراره بتاريخ 6-3-2016.
2- صفحة14: موضوع (برنامج مراكز تعزيز الإنتاجية (إرادة)) منقول حرفياً من موقع إرادة دون إشارة إلى ذلك. http://www.irada.org.jo/
3- صفحة 23: ورد التعريف بأعلام الفضاء تحت عنوان (قرأت لك) دون ذكر أي مرجع.
4- صفحة53: موضوع (الوصف) منقول حرفياً من كتاب الوسيط في قواعد الإملاء والإنشاء للدكتور عمر فاروق الطباع، صفحة 181. وتلاه في الصفحتين 53، 54 نص في وصف (النحل) منقول حرفياً من الكتاب نفسه، في الصفحتين 206، 207، ودون ذكر أنه لإخوان الصفا.
وهذا رابط الكتاب للتأكد: https://goo.gl/N0V8Y2
5- صفحة63: وردت (وصايا ذي الأصبع العدواني) ولم تُسند إلى أي مصدر، وشيوعها لا يبرر عدم توثيقها.
6- الصفحتان 30، 31: موضوع (كتابة الرسالة)، تمت استفادة واضحة وجلية من كتاب الوسيط في قواعد الإملاء والإنشاء للدكتور عمر فاروق الطباع، الصفحتان212-213، دون ذكر له.

ثامناً: في الصفحات 57-59: ورد نص (المستشفيات عند العرب) منقول من كتاب (أشرف الكردي، دور العرب والمسلمين في العلوم العصبية، بتصرف) كما هو مثبت، وبالرجوع إلى الكتاب، تبين وجود تلفيق وتزوير للنص:
ففي كتاب الكردي وردت العبارة (يعد الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك، أول من أنشأ مستشفى في الإسلام)(الكردي، ص392) ولكنها في كتاب اللغة العربية حورت إلى (يعد الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك أول من أنشأ مستشفى عند العرب).
وأيضاً ورد في كتاب الكردي :(كان يُطلق على المستشفيات الإسلامية كلمة بيمارستان)(الكردي، ص392)، ولكنها في كتاب اللغة العربية أصبحت (عُرفت المستشفيات في تاريخ العرب باسم (البيمارستان)).
وضع كلمة (بتصرف) لا يبرر هذا التزوير، لأن التصرف من أهم شروطه عدم الإخلال بصدقية النص الأصلي، وعدم تغيير معانيه، وما حصل في كتاب اللغة العربية هو تقصد إبعاد ذكر الإسلام والمسلمين عن النص، وقد تكرر هذا التزوير في الأسئلة التي تتبع النص.
وربما غاب عن مزور النص أن:
• العهد الذي يتحدث عنه هو عهد الدول الإسلامية،ولا وجود لدولة للعرب حصرياً.
• الوليد بن عبدالملك حاكم دولة إسلامية وليس دولة عربية.
• السلطان محمود السلجوقي الذي كان مستشفاه المتنقل ينقل على أربعين جملاً كما ورد في النص سلطان سلجوقي مسلم وليس عربياً.
• الوزير ابن الفرات صاحب العيادة الخاصة ليس عربياً.
وإذا كان المؤلف يهمه الطب عند العرب فليبحث عن ذلك في عهد ما قبل الإسلام، فهو أقرب للتقوى، أما أن يزور التاريخ فتلك فرية لا تليق بكتاب مدرسي.
علماً أن الكتاب المشار إليه، من منشورات وزارة الثقافة، ضمن مشروع مكتبة الأسرة، وكان يُباع ب35 قرشاً، ومتوفر في معظم المكتبات العامة لمن أراد التأكد، وتصنيفه في مكتبة عبد الحميد شومان (610.9 كرد).
ملاحظة: نص الاستماع المشار إليه صفحة 56، لم أحصل على نسخة موثوقة منه، ووقع بين يدي نسخة إلكترونية (لا أستطيع أن أتخذها دليلاً)، بعنوان (الأطباء عند العرب) من كتاب (محمود عبدالعزيز الزعبي، أطباء من التاريخ، بتصرف)، وهي تتحدث عن أطباء معظمهم غير عرب ، بما يُخالف العنوان ونص الأسئلة المثبتة في الكتاب (ابن سينا، الفارابي، الزهراوي، البيروني، الكندي،حنين بن اسحق).

إن بعض الملاحظات الواردة أعلاه، قد نعدها أخطاء حدثت سهواً من باب حسن النية، ويمكن التسامح معها، ولكن ثمة أخطاء كبيرة لا يجوز تجاوزها، وخاصة السرقة الأدبية والتزوير والتلفيق.
وبعد،،، فلم أجد في الكتب الجديدة أي قيمة إيجابية مضافة، بل تراجعاً عما تحقق في السابق، وكل ما يتغنى به الوزير كان موجوداً في الكتب القديمة وزيادة. ومن باب الإنصاف فإن الكتب الجديدة، من خلال ما ورد أعلاه، تعلم قيم السرقة الأدبية وعدم احترام حقوق المؤلف وحقوق الملكية الفكرية والتساهل في تزوير التاريخ، والصبر على التكرار والإملال والنمطية.
خبير مناهج ومشرف تربوي متقاعد

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى