
دمعة في حلب … رسالة للدكتورة إيمان العمري
هي دمعة سقطت على خد تلوّح بالتعب ، والشمس تحرقه ألف مرة باليوم ، ويزداد الصخب ، نحن نقتل كل يوم ، ونذبح على مدار العام ، غُلبت … في كل بقاع الأرض ، وهم من بعد غلبهم سيُغلَبون أبناء العرب ، وفي كل السنين ، ولن يكون سوى انقطاع البث ، … خبرٌ عاجلٌ ، مجزرةٌ جديدة ، وقليلٌ من الغضب !
أنا هنا يا إيمان في الصحراء أزرع وردة للعيد ، وأخرى لآمال ذوت في العام الجديد ، وثالثة لعاشقة سوى الإنسان ، وتريد من تريد ، بلّغ سلامي إلى هند وإن غضبت فأخرى من جديد .
أنا هنا أزرع في الصحراء صبّارا وآمالا ، وزهرة يربها الفؤاد بالدماء ، ليضحك عليّ المارقون والعابثون ، وليهزأ بي الراحلون عبر المواخر والسفن ، والتاركون أوطانهم ليوم كريهة وسداد ثغر .
هي دمعة نزفت من عنق الحبيبة في حلب ، وتاوزت قلبي إلى كبدي ، هي دمعة في القلب أعجزت الطبيب المناوب والمقيم ، وعلى أنغام أمسية قف بالمعرة وامسح خدها الموسوم بالأوجاع والأوصاب والألم .
تغزل نصف الحاضرين بليلى التي مرّ على تاريخ خيانتها لقيس ألف عام ، وتزوجت في عرف القبيلة غيره ، محكومة تحت قانون المستبد إلى الظلم .
تغزّل نصف الحاضرين بسيدة العشق ، وزهرة الفتيات في عرس الوطن ، وغدا الوطن لوحة لكل من حمل الدواة أو القلم ، من هاجموه ومن أثقلوه ، ومن باعوه ثم نادوا أمام شاشة المرناة : فليحيا الوطن ، وهم الذين سرقوا خيره ، وهم الذين ركبوا مسافرين إلى كندا وإلى برلين يوم أن جرح الوطن ، وأشعل الغادرون الحاقدون غابات النخيل نارا لا تبقي ولا تذر .
وأنا هنا بكيت ، نعم بكيت حتى بلّ دمعي محملي ، وسمعتُ سيدة تنادي من بعيد :
لا تلوحوا لطائرات الغزاة ، ولا تبتهجوا لقاذفات الطغاة ، صرنا كالعبيد والروم روم ، فمن احتفل بسقوط عاصمة الرشيد ها هو اليوم يبكي دما !
نعم بكيت في مسرح غنّى الجميع على نغم الحروف ، وموسيقى الزمن ، وعرفت معنى الحرف ، وقدّرت الثمن ، وهنا إيمان تصرخ من مشهد للرعب والحرب الظلومة والغشومة والدمار ، تصرخ على الأم التي تركت مدينة الأشباح تهرب بالجنين ، في كل زاوية أنين ، حتى الجنين لم ينجُ من ويلات الحروب ، ألداحس الغبراء شوق وحنين ؟
صرخت تلك الحنونة والجراح طويلة ، والليل مثل النيل ، وتقول : إنّ الجنين في بطن أمه يبكي ، أماه لا أريد الخروج من رحم حنون إلى بشر ذئاب ! خابت دروس الكتاتيب القديمة : بلاد العرب أوطاني ، فأين هي العروبة ؟ وأين هو الوطن ؟ خابت أمام وحدتنا كل الظنون .
لا ، قولوا لإيمان فلتخرج كلّ الأجنة من بطون الأمهات ، ولتكن الأجنة طعام الطائرات ، ولتحترق ، حتى تقول للعالم متنا وما خنا ، وبطون الأرض تستحق لأجلها الموات ، نحن الأجنة وقود الحرب كي يعرف العالم الميت معنى الحياة .
* بقلم : د. ظاهر محمد الزواهرة .
• الجامعة الهاشمية : مكتبي .