الشعب الأردني قال كلمته الأخيرة”مامعناش”! / أيمن أبو لبن

الشعب الأردني قال كلمته الأخيرة”مامعناش”!

كسب الأردنيّون الكثير خلال أسبوع الإضرابات أمام رئاسة الوزراء وهو الميدان الذي يُعرف بالدوّار الرابع في العاصمة الأردنيّة عمّان. أول المكاسب كان عودة اللُحمة الوطنيّة والزخم الشعبي للشارع والالتفاف من جديد حول قضايا البلد والتأكيد على ضرورة الإصلاح السياسي والاقتصادي، بعد انحسار موجة مظاهرات الربيع العربي وما عُرف بالحراك الأردني، إثر سلسلة من القرارات والوعود الإصلاحية التي أثبتت عدم جدواها في حل المشاكل الأساسية من جذورها.

عودة الزخم الشعبي والأسلوب الراقي في التعبير، مع عفوية المتظاهرين الذين جمعهم هدف واحد، رغم اختلاف أصولهم ومنابتهم ومعتقداتهم وانتماءاتهم السياسية ألا وهو مصلحة الوطن، أدّى في النهاية الى استجابة الملك عبدالله الثاني للمطالب الشعبية، والبحث عن حكومة مستقبلية قريبة من الشارع، بعد ان اتسعت الهوّة بين المسؤولين (على كافة المستويات) والشعب بل إنها وصلت الى حد القطيعة.

لا شك أن إقالة الحكومة، وقرارات رئيس الوزراء المُكلّف بسحب قانون الضرائب الجديد، ووقف قرار رفع أسعار الوقود (وهما ما يمكن وصفهما بالقشّة التي قصمت ظهر البعير) يعدّ انتصارا للوطن والمواطنين، لم يكن بالإمكان تحقيقه بدون وجود وعي راقي، وحس وطني عالي لدى كافة شرائح المجتمع الأردني، وأيضاً حرص المسؤولين عن الأمن على استيعاب ردّة الفعل الشعبيّة وعدم تصعيد الأمور.

مقالات ذات صلة

يضاف الى المكاسب، قرار الرئيس المُكلّف دفع رواتب موظفي القطاع العام قبل انتهاء شهر رمضان، وهو ما يمكن اعتباره رداّ على تصريحات وزير الماليّة المُقال الذي ألمح (بما يشبه التهديد) بأن الحكومة إذا ما اضطرت الى سحب قانون الضريبة الجديد فإنها قد لا تجد المال اللازم لدفع رواتب العاملين في الحكومة!
وهو تصريح أقل ما يُقال عنه أنه مُعيب، ويجب محاسبة الوزير المُقال عليه، فكيف يمكن لوزير مهمته الأولى إدارة شؤون البلاد الماليّة أن يشكّك في قدرة الحكومة المالية، لا سيما أنه هو نفسه من قدّم الموازنة العامة لمجلس النوّاب وأصبح مسؤولاً أمام القانون عن إدارة الأموال المخصصة لهذا العام وصرفها في الأبواب الخاصة وتحصيل الإيرادات التي نصّت عليها الميزانيّة.
وإن كان هذا التصريح مثيراً للتساؤلات والاستهجان على حد سواء، فهو ليس ببعيد عن وزير عُرف بتصريحاته وكلامه غير المسؤول من قبيل (من وين أجيب مصاري؟ ما في معي أغطي التزامات الحكومة، ما في حل ثاني (غير رفع الأسعار وزيادة الضرائب)!
وهذا هو بيت القصيد، فالحكومة المُقالة كانت عاجزة، غير قادرة على إدارة البلاد، همّها سداد العجز دون الالتفات الى مصلحة الوطن أو المواطن، أو إيجاد حلول جذريّة.

ولكن دعونا نقول إن الحكمة المُقالة (حكومة هاني المُلقي) كانت تسير وفق النهج الذي انتهجته باقي الحكومات، وهي تكرّر بالضبط ما فعلته الحكومة السابقة برئاسة عبد الله النسور، ولكنالواضح أيضاً أن سوء الأمور المعيشية وازدياد هذا السوء بوتيرة متصاعدة خلال السنوات الأخيرة، أوصلت الشعب الأردني الى نقطة اللاعودة، ولا أجد تعبيراً مناسباً أكثر من الشعار الشعبي الذي أطلقه المعتصمين (مامعناش!)
بالفعل، لقد تحمّل الأردنيون أعباء الأخطاء الاقتصادية (والسياسية) للحكومات المتعاقبة بدءاً من الاقتراض من صندوق النقد الدولي وعدم القدرة على السداد، ثم الاقتراض مجددا لدفع فوائد القروض السابقة حتى غرقت البلد في الدين، مع الاستمرار في خصخصة الشركات الوطنيّة وبيع موارد البلاد من فوسفات وبوتاس وكهرباء وأراضي أميرية وغيرها، وهي أفعال لا يمكن تصوّرها من حكماء عاقلين يضعون مصلحة الوطن أمام أعينهم، فكيف لعاقل أن يبيع لحمه ودمه! ناهيك عن الأسعار الزهيدة التي بيع بها هذا اللحم!
أما ما تلا ذلك من نتائج فكان متوقعاً لكل من يعقل، لقد نضبت الموارد وانخفضت الإيرادات وزادت النفقات وارتفع عبء الدين فأصبحت الحكومات أمام معضلة حقيقية، فلا هي قادره على الخروج من عنق الزجاجة ولا هي مؤمنة بالحلول المبتكرة (التفكير خارج الصندوق)، وبالنتيجة باتت غير قادرة على مواجهة أعباء الديون الخارجية، فاختارت أسهل الطرق وأسرعها: جيب المواطن،ويبدو أن الدور جاء على خصخصة المواطن نفسهبعد بيع موارد البلادإن جاز التعبير، حيث أصبحت الحكومة “شريك مُضارب”مع المواطن، تتلخًص مهمتها في التفتيش عن أبواب الجباية واقتطاع الأموال، بحيث أصبح المواطن في النهاية هو من يصرف على الحكومة ويرعاها وليس العكس!

دعونا نعترف أن المكاسب التي تحققت من إضرابات الأردنلن تكون إيجابيّة الا باستمرار الوعي بالأهداف الكاملة والشاملة للنهوض بالبلاد، بالتأكيد أنا لا أقلل من شأن هذه المكتسبات بل على العكس تماماً، ولكن المطلوب اليوم هو زيادة الوعي المجتمعي فيما يخص المواطنة وحقوق الشعب.

الخلل الأساسي يكمن في النظام السياسي نفسه، فقانون الانتخابات الحالي (كسابقه) يُكرّس الشعبويّة ولا يُهيئ الأرضية المناسبة للعمل الحزبي والسياسي المُمنهج، مجلس النوّاب مُتخم بالمقاعد دون ناتج مُفيد للبلد، ناهيك عن تكلفة الرواتب الضخمة، ولا يوجد مؤسسات دستوريّة فاعلة تؤدي دورها كما هو لازم.

كما يجب إعادة النظر في دور مجلس الأعيان واختصاره ليصبح مجلسا استشاريا مصغرا يُقدّم المشورة لمؤسسة الحكم مباشرة، ويضع الدراسات الاستراتيجية للحكومة.

ما فعله رئيس الوزراء المُكلّف يُبشّر بالخير، ولكنه إصلاح من داخل الصندوق الفاسد، وما نحتاج إليه هو إصلاح من خارج الصندوق، يُعنى في الدرجة الأولى بمحاربة الفساد والفاسدين ووضع آليات للمحاسبة، إعادة النظر في مصاريف الحكومة والنواب والأعيان وكل المتنفذين، تفعيل دور مؤسسات البلد، ليس فقط النقابات المهنية، بل يمتد إلى حرية الصحافة والإعلام، والقضاء المستقل، ومؤسسات المحاسبة والمراقبة.

وأخيرا، يأتي دور الإصلاح الاقتصادي، وإيجاد حلول مبتكرة خارج إطار “المساعدات” والقروض، ومراجعة كافة القرارات والسياسات السابقة، والانسلاخ من حظيرة صندوق النقد الدولي والإملاءات الدوليّة، ما يؤدي إلى تحسين فرص الاستثمار ونمو الاقتصاد الوطني.

لنا أن نسعد بما أنجزته الإضرابات، لأنه إنجاز يستحق الإشادة، ولكن في نفس الوقت علينا أن نُبقي سقف التوقعات والطموحات في مكانه الصحيح، وألاّ نقوم بتخفيضه أو المساومة عليه، بل على العكس تماما، يجب علينا اليوم أكثر من أي وقت مضى أن نؤمن بقدرتنا على التغيير الجوهري، وأن نصرّ أكثر على المحافظة على الإنجازات التي تحققت ونحاول تعظيمها.

في النهاية وكما كتب أحد المتظاهرين (مبروك للرزّاز تشكيل الحكومة الجديدة، ولكن لا تنسى إنو “مامعناش”!)

أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى