حنان الحنونة !! / د. محمد يوسف المومني

حنان الحنونة !!
لاشك أن بعضنا سيصاب بالذهول حينما يعرف أن ثمانين مواطنا عربيا مجتمعين يشتركون كلهم بقراءة كتاب واحد في السنة, بينما يقرأ المواطن الاوربي الواحد خمسين كتابا في السنة !! وسنصاب بالكأبة حينما نعرف أن العربي يقرأ ست دقائق فقط في السنة بينما يقرأ الأوربي مائتا ساعة, وأذا ما قرأنا باقي الفروقات سنكتشف حجم المأزق الذي يعيشه المواطن العربي وجعلته يعيش ازمات مستمرة وألقت بظلالها على مجمل حياته اليومية ولن نستغرب كم الكوارث التي تعيشها الشعوب العربية جراء الجهل الاعمى ومخاصمتهم للكتب والمطالعة.
وذات يوم وكعادة صاحبي الشاعر الاديب ينشر مقاطع من اشعاره من خلال حسابه الشخصي في الفيسبوك , غير أنه كان يشتكي من شحة من يتابع منشوراته رغم أهميتها , وغالبية المتابعين من اقربائه, وأزعجه الآمر كون صفحته تحتوى مئات المتابعين وأخذ يسال نفسه : لماذا طلبوا صداقتي ان لم يتابعوا أعمالي؟ في البداية , شك أن العيب في أشعاره ومنشوراته, فعمد الى نشر اشعارا ومقالات منتقاة لاشهر الكتاب والشعراء عبر التاريخ ابتداء من المتنبي والمعري والمعلقات والجواهري مرورا بالجاحظ وابن خلدون حتى سارتر وشكسبير وكلها لم تحصل الا على بضع تعليقات لا تتعدى عدد اصابع اليد , فقرر أن يخوض تجربة جديدة ليقيس بها مستوى ثقافة المتلقي المحلي وتوجهاته فعمل حسابا أخرا غير حسابه الرسمي لكن هذه المرة جعله باسم مميز مستعار هو ( حنان الحنونة ) ووضع بجانب الاسم صورة فتاة من بائعات الهوى لعوب, وأرسل طلبات صداقة لنفس جمهوره الموجود بحسابه الرسمي الاول والكل وافق على طلب صداقته بحسابه الجديد!!.
راح شاعرنا في أول يوم له بحسابه الجديد يبحث عن اكثر العبارات انحطاطا وسوقية متداولة بين اوساط المجتمع الراقي والهابط على حد سواء ونشرها في حسابه الجديد وأرفقها بصورة تلك الفتاة المبتذلة وهي تضع قطعة فراولة بين شفتيها وكتب تحتها ( ضاغطتهم وبكيفي ) !! ولم يصدق صاحبنا حجم التعليقات وكثافتها التي انهالت عليه حتى وصلت مئات التعليقات بعد نصف ساعة من نشر تلك الجملة الخالدة , وتسابق الجميع يطلب وده ويعرض خدماته دون مقابل ابتداء من اطفال الروضة وانتهاء بكبار السن ومن مختلف مستويات المجتمع , لعلهم ينالون رضا وقلب حنان الحنونة !!, وصار كل يوم ينزل اتفه الكلام الرخيص بتوقيع حنان مرفقا طبعا مع صورة مختلفة لتلك الفتاة, وبذات الوقت ينشر أشهر اشعار الادب العربي والعالمي في حسابه الشخصي الاصلي, فلا يلتفت اليه احدا!!. حينها أكتشف حجم الكارثة التي يعانيها كل المجتمع من عقود الظلم والحرمان والكبت والاساليب التربوية الخاطئة وحكومات التسلط والقهر التي حولت أطياف المجتمع الى مجتمع مسخ فاقدا للهوية والتوجهات.
ثم قرر أن يترك حسابه الشخصي الاصلي وصار ينشر أشعاره وأشعار غيره من الادب الراقي في حسابه الجديد ويدسها بين منشورات حنان الحنونة وراح متابعيه يتسابقون في التحليل النقدى وفجأة صاروا شعراء وكتابا , وراحوا يقتبسون اشعارا من أشعاره هو نفسه المنشورة سابقا, كل ذلك لآنهم أكتشفوا أن حنان الحنونة تحب الشعر والادب!!.
وأنا استمع الى كلام صاحبي المرير, وما برره لفعلته تلك التي بالطبع لم أستسغها , قررت أن أكتشف بنفسي مدى صحة كلامه وصرت متابعا لعدد من المجاميع المختلفة الموجودة في مختلف مواقع التواصل وخاصة الفيسبوك , وفجأة وجدت نفسي محشورا في مجموعة من تلك المجاميع الكثيرة , والمفروض أنها تمثل قمة المستوى الفكري طبقا لتحصيلها العلمي والدراسي العالي , وظننت أنني سأقرأ منشورات في هذه المجموعة تعبر عن قمة الوعي والنضوج الفكري , وللوهلة الاولى رحت افرك عيني كثيرا وأنا انظر مطولا الى اسم المجموعة وهوية اعضائها والى نوعية منشوراتها للتأكد من أنى لم أدخل في مجموعة ثانية ؟ فوقعت عيني على اول منشور وهو يسال الاعضاء عن نوع اكلتهم المفضلة ؟ رغم أن الجميع يعرف أن غالبية الاردنيين يفضلون المنسف , وانتقلت الى منشور أخر, وأذا به يقول اكتب اول حرف من اسمك وراح تعرف حظك الاسود, واكتب اسم خالتك الصغيرة وراح يطلعلك علاء الدين من الفانوس ؟؟ ثم قلت لن اظلمهم وسأنتظر يوما اخرا للحكم على مستوى ما ينشر , وفي اليوم التالي ظهرت امامي منشوراتهم الجديدة واذا بها لا تختلف كثيرا عن سابقاتها واعترف أنى اصبت بالاحباط والحزن للكم الهائل من الأسفاف والابتذال , دون ادنى اعتبار لمستوى المتلقي وثقافته , وتجد نفسك مجبرا على قراءة تلك المنشورات الخطيرة من قبيل : أيهما تحب اكثر قلاية البندورة مع البيض أم مع اللحمة أم من دونها؟ وحتما ستشعر انك تحتاج الى التقيؤ وانت تقرأ : هل صادفك في يوم موقفا محرجا وأنت تمر بالقرب من سيارة وزير او امير ؟ او كيف ستتصرف لو صادفت الملك في الشارع او المول ؟ ثم وانت تهم بوضع رأسك على وسادتك لتنام لتتخلص من فوضى التهريج والاسفاف والابتذال, يأتيك المنشور الاخطر: أكتب رقم واحد وستشاهد شكل زوجتك في المستقبل ؟ رغم ايمانك أن كل من صادفتهن من النساء بحياتك ينافسن التمساح الاسيوي جمالا !! .
ثم أدركت حجم الانحطاط الفكري الذي نسبح فيه, بحيث نمنح أديبنا الوحيد الحائز على جائزة نوبل قلادة تكريم مغشوشة !!, بينما نمنح بنات الليل وبائعات الهوى القصور والطائرات واوسمة التكريم وحتى اختام الحكومة.
وأيقنت اكثر أن اغلب فئات مجتمعنا هم من على شاكلة جمهور ( حنان الحنونة, وضاغطتهم بجمالي, واهبلكوا برصعاتي), وأنا أكتب مقالتي هذه أتصل بي كاتب مبتديء طالبا مني أن أوافق على طلب صداقته باسمه المستعار الجديد ( دلال المتهورة ) !!. ودمتم

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى