لكنها الصدف …. / منصور ضيف الله

لكنها الصدف ….

لم أتوقع أن أكون طالبا في جامعة اليرموك ، فالجامعة الأردنية أقرب ، وهي أم الجامعات ، وقبولي مضمون …… لكنها الصدفة . كان ذلك اواخر القرن القرن الفائت . بعض الصدف لها تأثير حاسم في مرحلة ما ، وبعضها يرتقي تأثيره الى مجمل المراحل القادمة . اليوم ادرك حجم تلك الصدفة ، بل وعمقها وأهميتها .

كتبت كثيرا عن مرحلة اليرموك ، وفي كل مرة أستشعر نقصا ، أو لأكن أكثر وضوحا ، أكتشف أهمية المرحلة وخطورتها ، وأجد في نفسي حاجة لإضفاء المزيد ، واستجلاء الأعمق والأهم ، وفي كل مرة تقصر المقالة عن بلوغ الحاجة ، وأرواء الظمأ ، وإرضاء الضمير ، الى
أن وجدتني قبل ثلاثة أيام أغرق في الكتابة عن اليرموك وإربد ، كنت أدخل الغرفة ، أغلق الباب بالمفتاح ، ثم أسكب ما تيسر لي على ورق كثير .أقضي الليل بطوله ساهرا ، أنفث دخانا ، وأحتسي كميات كبيرة من الشاي ، ثم أنفصل عن الواقع الخارجي تماما ، أستحضر الصور والمواقف والأحداث ، أسجل ما أستطيعه ، وأعيد تركيب ما لم أقو على البوح به ، ولكني في كل ما أكتب تحريت الصدق ، وانتويت الخير ، واجتهدت النصفة .

واليوم يذكرني ابني عبد الله بحجم ما كتبت ، وقد قرأ بعضه ، ودهشته به . يذكرني بحاجة الغرفة للتوضيب ، والأوراق للترتيب . يبدو أنني قطعت مسافة كبيرة في روايتي الأولى ، على غير موعد أو إرادة أو رغبة ، كنت مدفوعا إليها ، أسابق الزمن ، وضياع الفكرة ، والحاجة الفكرية والنفسية . وأعلم إنها ذات الصدفة ، ذات القوة القدرية التي تسوقنا في دروب لم نخترها ، لكنها تصنع حياتنا ، وحياة من حولنا رغما عن الجميع .

مقالات ذات صلة

وإن كان من اعتذار فأولى الناس به الدكتور الإنسان عبدالله درادكة ؛ طبيب العظام ، ومالك البيت الذي استقررت به طوال ثلاث سنوات ونصف ، كان كتلة من خلق وأدب ، محبا للعلم ، زاهدا في المال ، حنونا مع الغرباء ، مثقفا إلى درجة واسعة ، حازما وصلبا في كل موقف ونأمة . لم ينسنا إذ كنا ضيوفه ، ونسيناه إذ أوهمتنا الدنيا . الدكتور عبدالله له دين كبير وحمل ثقيل ، أديت بعضه فيما كتبت ، وسأؤدي البقية فيما ظل من رواية .

لأربد فضل…. ولجامتعها دين … ولمن تعارفنا حق أن نعيد رسمهم ، عند هذا الحد ستنتقل إربد من الذاكرة إلى الخيال ، ثم إلى المستودع المقدس …. مجرد عواطف خاضعة للأنا العلوي ….. مجرد فكرة صاغها ذات مساء عزيزنا فرويد .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. دام نبض قلمك …..وننتظر روايتك بفارغ الصبر
    فلا بد لكاتب انسان ،كمنصور ضيف الله أن يترك بصمة في ضمير البشرية ، كلي ثقة أنها ستكون إنارة في ديجور الظلام ،ولمسة مضيئة للأنام .

  2. جامغة اليرموك في تلك الفترة ،كانت كغانية تلقي بكل مفاتنها عند المساء ، وتفرد شعرا كستائيا طويلا ينسدل على صنوبرتين عتيقتين ، تميد دلالا فيفوح عطر السنديان والصنوبر المعتق فيزكم الأنوف ، ويسبي الألباب ، اليرموك في تلك الحقبة كاتت محط العرب من الخارج ،وموئل الطيور المهاجرة من الداخل ،حيث دفء حوران ،ووداعة ألأهل وبساطة الناس ونقائهم وسلامتهم من التحريف .وكانت الجامعة تنعم بمنهجية علمية ممتازة ،ونخبة من المدرسين الأكفياء ،الذين تخرج على أيديهم طلاب بررة ، ونجوما لامعة ،وطاقات واعدة منحت الكثير وظلت وفية ، صانت الخبز والملح ، وغادرت وعيونها معلقة بمبان خضر ،ظلت مسرحا لأجمل الذكريات ،وأنقى الأمسيات ،وألذ اللحظات وأرقاها ….
    وظلت شوارعها شاهدة عصر على فتية رائعين ،ذات مساء مروا من هناك ،فالتقطت صورهم وذخرتها في ذاكرة الزمن ، سجلت ضحكاتهم ،شغبهم ، روعاتهم الأدبية واختزنتها في مفكرة التاريخ ، تلك هي اليرموك ، ليست مكانا ،ليست جغرافيا ولا مرافق ، اليرموك كانت جنة الله على أرض الله ، كانت حياة داخل الحياة .

  3. الأخت الكبيرة والأديبة المبدعة ، والشقيق الغالي أمجد

    ولكنها الصدف …. تصنع ما نظنه إرادة حرة.

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى