كل صباح بوردة / منصور ضيف الله

كل صباح بوردة
في جبل اللويبدة كان لقاؤنا . المبنى قديم ، ينفتح على الشارع ببوابة صغيرة ، ومسطبة صعدتها الاف الاقدام . على الناصية اليمنى ياسمينة نثرت عطرها بعدل . في الطابق الثاني مكتب المديرة ، هدوء ونظافة لافتتان ، بوابة المكتب انيقة ، تكاد ترقب الاشياء وتغرق في لغة مكتومة ، دققت الباب وانزلقت داخلا وتحت ابطي ملف اصفر . اللقاء الاول لا ينسى ، وما تبقى من لقاءات تظل يتيمة تبحث عن ام . اشارت بيدها ، وجلست على مقعد وثير .
اهلا بالاستاذ الجديد .
ما تخصصك ؟
لغة عربية .
وهل تتقنها ؟
ليس بعد ، كلما ادركت شيئا ضاع مني شيء . مدت يدها الى علبة “السلك كت” ، اخرجت سيجارة ، وضعتها بين اصابعها ، ثم رفعتها ببدلال الى اعلى ، وغرستها بين شفتيها . شعلة النار تنفتح وتقترب نفس ، نفسان ، ثلاثة ، وخيط راقص من الدخات يتعالى ، يمتد فوق راسها تماما ثم ينفرج الى دوائر داكنة ، تتصاعد الى دوائر لا تنتهي . منذ ساعات لم ادخن ، بالكاد احمل اجرة الطريق ، تعيد نظرها في المعلم وتغرق في شيء ما . تنفجر عندي حالة الاستحضار ، تغيب الدنيا واملأ صدري بدخان فاخر ، تتوحد الانفاس ، تهبط وتصعد في نسق جميل ، يموت الجوع ، وينساب الدم رائقا في الجسد .
استاذ ، ، منذ دقائق لم تتكلم ، يبدو انك رحت الى زمن اخر .
ابدا ، غرقت في حالة استحضار .
وهل تملك هذه القدرة ؟
الى حد ما .
اية مدرسة تختار .
في الواقع تعبت ، ليتني اعمل هنا . صدمتها الامنية لكنها بدت متماسكة
وماذا تعمل ؟
انظف الطاولة ، اعيد توضيب الكرسي ، وساهتم كثيرا بتلك الزهور المنتصبة في الزاوية البعيدة ، اعدك ان اضع كل يوم وردة ، ساشتريها من وسط البلد ، سازرعها في قلب حقلك . تبتسم المديرة بخجل ، تتناول قلما ثم تكتب شيئا ….. الى رئيس شؤون الموظفين . وقبل ان اغادر يأتي صوتها : من غد ستكون هنا . ولا تنسى : كل صباح بوردة .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. في هذه المغناة ما يعكس نفوذ وتجلي المرأة ذات المنصب،وعرض سيادتها على الفكر وتميزها عن نساء بسيطات لا يتعدين حدود المدينة ….
    تستولي الذكورية على جلال المشهد،وتستبد عبودية الفكرة،وتصلب الوهم امام مطلب البسطاء.
    في كل شارع من الأحياء الفارهة باعة ورد،وشعراء وموسيقيون يعزفون للرقي والحضارة…
    ولا عزاء للفقراء
    البسطاء
    الضعفاء….وتستمر الحكاية الأزلية القديمة الحديثة،استعباد الفكرة واستعباد اصحاب النفوذ،صنعة من لا صنعة له.
    بورك قلمك منارا للحقيقة .

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى