هادَ بلد فيه هرامي نفر كبير ! / م . عبدالكريم أبو زنيمه

هادَ بلد فيه هرامي نفر كبير !
قبلَ سنوات كانَ أحدُ الباكستانيين يَعمل في إحدى المَزارع في غورِ الأُردن وكانَ يمتَلكُ عدداً مِن رؤوسِ الماعز الشاميّ غالِ الثمن في ذلكَ الوَقت ، إذ كانَ يتراوح ثمن الجدي الذي لا يتجاوز عُمرُهُ الشهرَ الواحد ما بين (2000-3000) دينار على حَسبِ شكله ، كانَ الباكستاني ينامُ بجانِب حضيرةَ الماعِز لحراستِها ، وفي إحدى الليالي أقدَمَ ثلاثة شُبّان على سَرقةِ الماعِز وهو يراقِبُهُم بِصَمت ، وما إن وضعوا الماعِز في صُندوقِ البك أب وهموا بالانصراف حَتى قفزَ إلى الصندوق وجلسَ فيهِ دونَ أن يشعروا بِهِ ، تحركتِ السيارةُ بمن فيها وعند أول نُقطة تفتيش عسكريّة بدأ بالصُراخ والاستغاثةِ بِهم ، فأُلقيَّ القبضُ عليهم جميعاً وأُخِذوا في اليومِ التالي للمحكمة ، بعدَ التقاضي وعلى مدار أكثر من جلسة حَكَمتِ المَحكَمَةُ ببرائتهم من السرقة وإدانةِ الباكستاني ، وقبلَ النُطِقِ بالحُكم سألَ القاضي المُدّعي : ” لماذا لم تُدافع عَن نَفسكَ وأغنامكَ في أرضِ وقوعِ الجريمة كما تدَّعي ؟ أجابَهُ الباكستانيّ : ” أنا واهد نفر دعيف وهاد نفر تلاته كبير ! ” لم يَقْتنع القاضي بالإجابة ونَطَقَ بالحُكْمِ ضِده…نَظَرَ الباكستانيّ للقاضي وبصوتٍ واهنٍ ملؤه الضعفُ والخِذلان قال : “هاد بلد فيه نفر كبير كبير هرامي ” – أي يكثُرُ فيهِ السارقون – ” هرامي كبير يئيش “يعيش” ونفر دعيف “ضعيف” مَسكين يموت !
تَذَكرتُ هذهِ الواقعة وأنا أُشاهد حَلَقة بعُنوان (بصراحة) على القناةِ اليمَنيّة وهيَّ واحدةٌ مِن عدة حلقات يتحدث فيها مُقدم الحلقة بالوثائقِ الرَّسمية عن حجمِ الفساد الذي كان سائداً على مدارِ عدة عقود أيامَ حُكم الرئيس علي عبدالله صالح ، مليارات الدولارات من دماء وأنين اليمنين كانت تُنهب وتُحوَّل إلى عقاراتٍ ومنتجعاتٍ وأرصدة في داخل اليمن وخارجه ، مُقدم البرامج يعرض الوثائق وهي بالمئات التي تمَ الإستيلاء عليها من مقارّ ومنازل الرئيس وأبناؤه وأقاربهِ وحاشيته ، وثائق رسمية لا لبسَ فيها بأختامها وتواقيع المسؤولين عليها وأكثريتهم أحياءَ يُرزقون ، وثائق تُبين حجم العقارات والفلل والمُنتجعات والمَزارع الشاسعة داخل اليمن وخارجهِ التى سطا عليها أركان وحاشية وأزلام وأذناب الرَّئيس صالح ، جُزء من الحلقة التي كُنتُ أُشاهدها تَحدَثت عن تركة محمد عبدالله صالح المُتوفى عام 2000 والتي تجاوزت الخَمسة مليارات كأُصول وأملاك ثابتة داخل اليمن فقط عدا عَن العقارات والأموال في الخارج ، وتَقَلَدَ أبناؤهُ من بعدِهِ المناصب الأمنية الحساسة – الحرسُ الجمهوريّ ، الأمن الداخلي ، الأمن الخاص – وذُكِرَ أيضاً أنَّهُم استغلوا مناصبهم هذه للسطو على أموالِ الدولة والأملاك الخاصة للضُعفاءِ والمساكين بأحكام قضائية ! أما عن ثروة الرئيس علي عبدالله صالح فهُناكَ تسريبات عام 2014 تحدثت عن أنَّ قيمتها تَصِل إلى (65)مليار دولار !
هذا الفساد ليس حَصراً على اليمن وحده ، وإنَّما حالة عابرة لحدود كل الدُّول العربية بلا استثناء ، ففي كل مزرعة عربية هُناك ” شِلَل ” ولُصوص فوقَ الدُّستور والقوانين ، وعندما يُفرِغ هؤلاء خزائن البلاد يلجأونَ للتسلطِ على عامة الفُقراء بقوانين الجِباية لنهب آخر كسرة خُبز على موائِدهم ، وكما قيل فإنَّ الفَقر والجوع اللذان يُعاني منهما الشعوب العربية ليس نقصاً في الفلوس وإنَّما بسبب تكاثُر اللصوص ، أُنظروا حجم الفساد والبذخ الذي كان يعيشه زين العابدين في حين أنَّ الشعبَ التونسي كانَ يُعاني الأمرّين ، أُنظروا إلى ملايين أبناء حسني مبارك وحاشيته وأذنابه التي نُهِبَت من أموال الشعب ، ذاكَ الشَعب الذي تُرِك فريسةً للفقرِ والجوع .. أُنظروا للمليارات التي يَمْتلكها الأُمراء السعوديين في حين أنَّ هُناك 25% من السعوديين يقبعونَ تحت خط الفقر حسب التقاريرِ الدوليَّة ، وغداً عندما يسقُط طاغيةٌ مُستبدٌ آخر سَتُبَثُّ عشرات الحلقات التلفزيونية عن حجمِ فسادهِ ،مديونية الدول العربية موجودة في البنوك السويسرية والغربية كأرصدة لهؤلاء اللصوص ، وعلى رأي الباكستانيّ وراء كُل مصائب الشعوب العربية وجوعِها وفقرِهَا وذُلِّها وهوانِها وتخلُفها وتطرفها هُناكَ هرامي نفر كبير كبير !
aboznemah@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. تحدث عن اليمن وتونس وكأن الحال لدينا يختلف , هل تعتقد أن الأردن لا يزخر بعشرات بل ربما مئات الحالات المماثلة ؟

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى