نعم لإسقاط الحكومات، لا للعصيان المدني

نعم لإسقاط الحكومات، لا للعصيان المدني
عبد الفتاح طوقان

كنت سأكتب عن عدة مواضيع منها إجراءات الاحالات في دائرة الجمارك الاردنية والتي أتت مخيبة للآمال عوضا عن التحقيق عما دار من مخالفات بها وتهريب في قضية مصنع الدخان الشهيرة كأن الإحالة أتت نوعا من الفرج علي بعض من المحالين، ثم قرأت مسودة قانون الضريبة بناء علي طلب رئيس الوزراء الاردني د. عمر الرزاز عبر تغريده له لأحلل بنودها لاكتشف مثل كثيرين غيري انه حالة عبث بمصالح المواطنين وان القانون المقترح هو نفسه ، ولكن بنسخة منقحة زاهية – بفارق سماح اعفائي ثلاثة الاف دينار لا غير-عن القانون الذي أطاح بحكومة الدكتور هاني الملقي و أدت الي طرده و طاقمه الوزاري من الدوار الرابع، ثم وجدت مناسبا ان اخوض في زيارة الملك عبد الله الثاني للأمم المتحدة و جهده نحو “مكافحة الحرب علي البشر” و ارزاقهم و تعليمهم المتمثل في القرار الأمريكي بإيقاف المساعدات عن الاونروا مما يثقل كاهل اللاجئين الفلسطينيين في الاردن و يمنع عنهم التعليم في سياسة واضحة للتجهيل و التجويع، وهو قرار خائب يرهق الأردن و يضيف مزيدا من الأعباء وهو جهد ملكي منفرد يستحق التقدير والمتابعة ، ثم عقدت العزم علي الكتابة علي شهداء الوطن من ضباطه و جنوده البواسل في مواجهة الخلية الإرهابية التي هي نتاج مباشر للتغرير بشباب تحولوا الي الإرهاب وهم معصوبون الاعين في غياب واضح لدور وزارة الثقافة الأردنية وتراجع دور الاعلام و التربية فسقطوا في قبضة “الدين المفتعل واكاذيبه” ، لكن تراجعت بعد ان وصلتني اكثر من رسالة علي وسائل التواصل الاجتماعي و البريد الالكتروني تدعو الي “عصيان مدني” يوم الاحد الموافق ١٦ أيلول ٢٠١٨. وهنا الخطر الذي يجب ان نتصدى له لأنه يعود بالضرر على المرافق دون أي جدوى، ثم من يستفيد من إغلاق المدارس والجامعات والمستشفيات والمحلات والطرقات وغيرها؟
.

توقفت لأني وجدت حالة من الخلل الديمقراطي الناتج عن عدم اهتمام الحكومة بالشعب، وغياب عنصر وعي التعامل مع قضايا شائكة في مواجهة اندفاع شعبي غير مدروس نحو فوضي فرضتها الظروف بعد نجاح الشارع في طرد حكومة ضعيفة سابقة، ومعرفة الشعب طريق الخلاص من الحكومات والسلطة الزائفة المرتهنة بقرارات خارج الوطن، ولكن للأسف تلقفتها بعض من ايدي لا تريد للوطن الخير ودعت الي عصيان مدني. والتوضيح الواجب هو ليس هكذا تورد الإبل كما يقول المثل.

لذلك لا بد من الوقوف وابداء الرأي انطلاقا من قناعة “نعم للانتقاد الحر دون قيود او سقوف، نعم للتظاهر السلمي، نعم للاعتراض الايجابي، ونعم لإسقاط الحكومة وكل حكومة متخاذلة ضعيفة، لا تأتي بحلول وترهق الشعب وتسرق مقدراته وتتغول على جيبه ولا تهتم بالعشائر الأردنية وتغازل أصحاب الحقوق المنقوصة وتحمي الفساد، وتكمم الافواه وتعطل الصحف وتقف حائلا بين الشعب والقصر وتتماهي في التطبيل والتزمير والتطبيع والتغرير وتهديد الشرفاء واغتياب شخصياتهم. لكل ذلك نعم ولكن لا للعصيان المدني ولا للفوضى الناتجة عنه ولا لتعطيل مصالح الوطن والشعب.

أن كل يوم من العصيان المدني، الذي هو حالة من عدم الامتثال للدولة، يضيف اعطالا ومديونية توازي خمسين مليون دينارا من الخسارات يوميا، وبالتالي فأن العصيان يدفع بمزيد من المديونية ويعرقل عجلة الاقتصاد ولا يأتي بحل او يضيف للواقع شيئا سوي مزيد من انهيار المؤسسات وحجب الخدمات.

واقصد أن العصيان المدني ليس جيدا في وضع مثل وضع الأردن، وأن كان جيدا في حالة كفاح ضد مستعمر وفي وجود مواجهه بين الشعب ومستعمر في وطن محتل، والأردن هنا دولة غير محتلة . وثانيا العصيان المدني هو أحد الطرق السلمية التي ثارت بها الشعوب على القوانين غير العادلة التي كان يفرضها الاستعمار، وأؤكد هنا على كلمة الاستعمار، وقد استخدم العصيان المدني في حركات مقاومة ناجحة موثقة في تاريخ الشعوب المناضلة لآجل التحرر كمثال عل التحضر الشعبي السلمي في مواجهة المحتل ومنها مثلا في الهند (مثل حملات غاندي من أجل العدالة الاجتماعية وحملاته من أجل استقلال الهند عن الإمبراطورية البريطانية)، وفي جنوب أفريقيا في مقاومة الفصل العنصري، وفي حركة الحقوق المدنية الأمريكي وغيرها.

من المفترض ان يتكاتف الجميع، ويتعاون يدا بيد للخروج برؤية مفيدة وان يمشي الشعب على هذا الطريق الطويل من تكريس الحقوق الديمقراطية ومن النقد البناء نحو الحرية واعلام بلا سقوف او خطوط لا يثنيه تهديد او اساءه او اغتيال شخصية نحو هدف نبيل لأجل رفعة الأردن، لا ان يتملص او يتقاعس عن المطالبة بحقوقه وبحكومة قوية وطنية قادرة على إدارة شؤون العباد والبلاد وخالية من الشلية والفساد، وتعيد الحقوق لأصحاب الأرض الحقيقيين والأردنيين الشرفاء، لكن دون اتخاذ خطوات خاطئة على طول الطريق الصعب. وهنا العصيان المدني هو أحد تلك الخطوات الخاطئة جملا وتفصيلا.

صحيح انه لم يعد الشعب يخاف او يخشى من المطالبة العلنية بأسقاط الحكومات، ولكن يجب الانتباه الي أن مواجهة اللحظة دون الاضرار بمصالح الوطن هي مطلب جميع أبناء الشعب الوفي والصبور، فالمسيرة شاقة وطويلة وليست منتهية وهناك المزيد من المسؤولية الوطنية.

لذا اليوم اكتب مجددا ان اسقاط الحكومات حق شرعي ا يختلف عليه اثنان و لكن ضمن الأطر القانونية والدستورية ، وحق التظاهر مكفول والنقد والاعتراض السلمي مكفول ضمن القنوات الشرعية التي هي من متطلبات الديمقراطية، ولكن لا بد ان نقف معا في وجه العصيان المدني لان الأردن ليس محتلا، رغم ان القرار السيادي في يد صندوق النقد الدولي وفي يد دول كبري مؤثرة للمنطقة بأكملها، لكن يبقي هناك وطن بحاجة الي كل دقيقة من جهد و عرق أبنائه دون انقطاع عوضا عن الضرر الذي سيلحق بالمصالح الاقتصادية و الاجتماعية و الصحية و التعليمية بالبلاد.

aftoukan@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى