عظَمَ اللهُ أجرَكُم بالإصلاحات ! / عبدالكريم ابو زنيمه

عظَمَ اللهُ أجرَكُم بالإصلاحات !

قيلَ وكُتبَ ونُشرَ الكثير عن الإصلاح ، حتى بات الناس يترقبون قُدوم وولادة ” الإصلاح ” مُعلقين عليه آمالهم ومُستبشرينَ بهِ خيراً ، إلا أنَّهُ قد أُجهضَ قَبل أن ترى عيناه النور وعَظمَ اللهُ أجركم فيه !
الإصلاح يحمل معانٍ كثيرة ، منها إصلاح ذات البين ، إصلاح الاشياء أي إعادة ترميمها بعد إزالة الصدأ والعفن والتكلس عنها ، أو كما وَردَ في القرآن الكريم “واصلح لي في ذريتي ” أي يا رب اهدهم للإستقامة والإعتدال ليعبدوك وليؤدوا واجباتهم ، تتعدد الامثلة على مفهومِ الإصلاح إلا أنّها جميعها تنبع من مفهومٍ واحد وهو : إزالة الفساد ، والفساد لا يقابله الا الاصلاح بقوله تعالى ” وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ” .
عبر عقود من الزمن من الاستحواذ على المناصب والاستئثار بالسلطة المُطلقة تشكلت طبقة إجتماعية تملك رأس المال والسُلطة معاً وكلاهما يوظفان بعضهما لتعزيز مراكز قواهم ، لكن الاخطر هي اللعبة الديمقراطية التي أصبحت درعهم الواقي من أية مخاطر قد تهددهم ، فهذه المجالس النيابية المُتتالية مُضافاً إليها مجلس الاعيان الذي يعين غالبيته من طبقتهم هي كفيلة بتفصيلِ تشريعات على مقاسهم وتمريرِ الصفقات التي تخدمهم ، هم يؤسسون أحزاباً وجمعيات ويُسخرون ويستأجرون الإعلام والكُتّاب والشعراء وفرق التطبيل والتزمير للتغني بهم وبانجازاتهم الوهمية والخرافية وبالوطن ، فالوطن لا يعني لهم سوى أنفسهم .. فهم سطوا على المال والنفوذ والعقارات والقصور والاملاك العامة والسلطة بأيديهم أما بقية الناس فليسوا سوى عبيداً وحرساً لممتلكاتهم وأموالهم.
عندما نهضت الكثير من دول العالم ” كوريا الجنوبية ، ماليزيا، سنغافورة ” من تحت الركام ونفضت الفساد عنها امتلكت قبل كل شيء إرادة التغيُّر الإيجابي وكذلك حددت المراحل الزمنية لهذا التغيير والاهداف الواجب تحقيقها وكان لها ما أرادت ، ومن الأمثلة على ذلك جزيرة سنغافورة التي لا تتجاوز مساحتها “750كم2 ” التي أصبحت الآن تنافس إقتصاديات العالم إذ أصبح دخل المواطن فيها يصل (100) الف دولار سنوياً بعد أن كان لا يتجاوز (500) دولار سنوياً عام 1980 ، قاد هذه الاصلاحات أفراد وبدأوا بأنفسهم أولاً وقد ركّزوا على السلوكيات والقيم النبيلة وبدأوا بالاصلاح من القمةِ الى القاعدة ،وهنا لا بد من التذكير بالعملية الاصلاحية التي بدأها بنفسه الخليفة عمر بن عبدالعزيز عندما وضع جميع ممتلكاته في بيت مال المسلمين كذلك نستذكر رسالته إلى والي حمص عندما استأذنه الأخير في إصلاح سور المدينة المُتهدم ، فكتب إليه عُمر :
“حَصِن مدينتك بالعدلِ ونَقِ طُرقها من الظُلمِ ، فإنَّهُ حِصنُها ” بهذه المفاهيم والعقيدة الراسخة والإرادة الصادقة والقيم النبيلة والحس بالمسؤولية تتم الإصلاحات .
ما دامت الثروةُ مُتمركِزةً في أيدي ما نسبته من (5-7%) من الشعب ، فإنَّ هذه النسبة لن تتخلى عن ثرواتها وامتيازاتها لأي سببٍ كان ، بل سُتدافع عنها بكل ما أوتيت من شراسة ، مُتّبعين بذلك الإستراتيجية الوحيدة التي يُجيدونها وهي اللجوءُ إلى جيبِ المواطن لتغطية تكاليف نمط الحياة الباذخ الذي يعيشونَ فيه ، مُتذرعينَ بتوفيرِ الأموال لخزينة الدولة للحفاظِ على الوطن ، تاركين خلفهم ملايين المواطنين يُقاسون الفقر والعجز والمهانة ، سنواتٌ من الإنحطاط والتبعية لمشاريع لاوطنية ليس لنا فيها ناقة ولا جمل لم تتمخض إلا عن مزيدٍ من الإنهيار ، نحنُ لم نتلقَ حتى أُجرة تبعيتنا لَهم ولمشاريعهم .
من يحلم بالاصلاحات “الدستورية..الاقتصادية..السياسية…الخ” فهو واهم ، من يحلم يوماً بأنَّ ابن عوده سيتنافس مع ابن سمير على منصب ما فانه جاهلٌ وأحمق ، عوده حارس وسيبقى حارساً وسمير وزير وابنه سَيرث منصب والده بطبيعة الحال ، لقد رفضوا أن يعقدوا مؤتمراً خلال السنوات العجاف الماضية للتشاور بما آلت اليه البلاد والعباد بالرغم من كل الندآءات الشعبية والسياسية يُشارك فيه عوده وعواد وحمده..حتى أنَّهم يحتقرون فكرنا وعلمنا ومعرفتنا ورؤيتنا…فهل سيسلمونا سُلطتهم يوماً ما !
الإصلاحات عملية شاملة ومتكاملة تستجيب لمصالح الشعب وتقترن بجملةٍ من التشريعات والاجراءات وفي مقدمتها الاصلاح الدستوري وإحقاق مبدأ “الشعب مصدر السلطات” وإصدار قانون إنتخاب عصري ومحاربة الفساد واستقلالُ القضاء ، إتخاذُ هذه الاجراءات سيؤدي الى سيادة القانون وتحقيق العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص لجميع فئات المجتمع وتحقق التنمية والازدهار، إلا أنّنا نعلمُ يقيناً أن هذا الأمر بعيدٌ كل البعد عنّا ، لأنَّنا لا زلنا جهلة وغير ناضجين لهكذا إصلاحات حسب تصنيفهم لنا…فهل سيصلح العطار ما أفسده الدهر؟ ..وعظم اللهُ أجركم !
aboznemah@yahoo.com

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى