حوارية الصحراء / جنوب بنت طريف

حوارية الصحراء
على هامش مقالة الشاعر والكاتب الأردني منصور ضيف الله ، يا صوبحبي يكفي عتب ……

على رمال وادي عربة نقش المسافرون خطاهم ،وعند كل خطوة عبرات تترقرق ؛ فالرحيل عن الوطن غال ثمنه ، والبعد عن مضارب الأهل والخلان مر طعمه .
وحدها جنوب ،الفتاة الحرون ، تعاند السيارة ،وتكابد خطاها المسير ، فالمنبت عزيز ،ومدارج الصبا مراتع الطفولة واحات من النعيم لو انهم يعرفون !
وحدها جنوب العنود تطارح رجلا ساكنا أعمق وجدانها ، تطارحه الغرام حينا ، وتشاكله وتصارعه وتشاتمه احيانا ، بين رفض للمسير ورفض للرحيل والغياب ..
الغياب مصيبة عمرها ، ومقتلها ، وتابوتا ضمها عقودا ، الغياب كافر لا دين له ، ولا إلا ولا ذمة ، ذلك الغياب المضمخ بالحنين سيف يقطع الروح ، ويذبح القلب من الوريد إلى الوريد ،
ترتفع شمس الهاجرة ، يشتد الحر ويطول الطريق ، تنبعث من ذاتها أنات وتمتمات :سافر يا حبيبي وارجع لا تطول بالله الغيبة …
وسافر و أمعن في الغياب وطول …..
تقول الوالدة بحنان وفهم عميق لحالة استسلام فتاتها ولوعتها : من طول الغيبات جاب الغنايم يا ياما ….
يا رب ….يا رب ترد الغياب وتجيبهم سالمين غانمين …
تنظر خلفها وقد نشرت رمال الصحراء ألسنة اللهب ، ثم تنظر إلى أثوابها وقد انزلق العرق عنها من حر الشمس ، والأدهى نزف روحها خلف أثر الغوالي ، فتنسكب حروفها على الرمل نقوشا حرى ملونة بصفرة المدى ، لعلها ولربما تزوبعها الرياح صوبهم ، فتنشرها على كل صعيد ، فتوصل رسائل الشوق وأهازيج الصبر والسلوى ….
تغيب الشمس رويدا رويدا ، تطوي سرها الكامن في أحشائها ،يرتفع حنين الناقة عطشى جوعى تكلى ، فقد باعوا وليدها وظل يرقب إثرها ،ويرتفع صرير خفي ، وعواء ذئاب بعيدة لا تدرك مداها ، ولا ساعة انقضاضها ،وتسود العتمة الموحشة ، وتخون الرباح بهبوب قارس يلذع الأطراف والوجنات ، يشي البرد بقسوة الصحراء وجحودها ، تنكفئ جنوب على نفسها ، تجمع بعضها على بعضها ، تتخذ من ذكرياها الحرى دثارا ، ومن سماءات الفرح قصصا وأكاذيب مسلية ، كم نحتاج أحيانا للكذب على أنفسنا !!
ويتسلل صوت خفي عميق ،سفرهم طال وطولوا أحبابي ،ويلي عليهم وويلي على حالي ….
ورغم كل شئ ،يومض شهاب ، يضئ عتمة روحها ، وتبقى أسيرة عهد ووعد وجيش من لذيذ الذكريات وأجمل الأمنيات .

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى