أدب الحوار والإختلاف / سهى عبد الهادي

أدب الحوار والإختلاف

اثناء متابعتي لصفحات بعض المواقع الالكترونية والتي تصلني عبر وسائل التواصل الإجتماعي يأخذني الفضول لرؤية التعليقات على الخبر او (البوست) الذي قد يضعه البعض على صفحاتهم ، سواء ممن كانوا شخصيات معروفة ككتاب او إعلاميين او اصحاب رأي او رجال دين او من هم مجرد اشخاص عاديين يدلون بدلوهم في شؤون مختلفة ولهم متابعين ومتتبعين …

احيانا يكون ( البوست) مجرد خبر عادي جدا لكنه اكتسب اهمية تفوق حجمه بأضعاف مستغلا قوة تأثير الإعلام الحديث وخطورته في خلق حالة استنفار جماعي وتأجيج لشئ قد لا يستحق على عكس أمور أخرى تستدعي وعيا واهتماما اكبر ، وفي ذلك يكمن ويتوارى تلاعبا خطيرا في العقول وفي التأثير على العامة …

اعود الى موضوعي الأساسي وهو ليس الخبر او ( البوست) نفسه بل التعليقات المدرجة اسفله والتي يفترض ان تكون حالة ايجابية وصحية نسعى اليها ونشجعها ، فالتعليقات هي وسيلة مهمة للتعبير وإبداء الرأي والمشاركة الفعالة والبناءة التي يفترض ان يكون لها وزن وقيمه حقيقية كقوة مغيرة للواقع احيانا خاصة فيما يتعلق بالشؤون العامة …

مقالات ذات صلة

في اوقات كثيرة يصدم المتتبع لهذه التعليقات من المستوى الذي تنحدر اليه ، اذ ترى بعض المعلقين يصبون نيران غضبهم على شخص صاحب ( البوست ) او حتى على المعلقين والمشاركين الآخرين لا سيما اذا كانوا مخالفين لهم ولأرائهم وهم بذلك يسيرون على قاعدة اذا لم تكن معي فأنت ضدي ، فتأتي تعليقاتهم بدائية فجة تشعرك بما يخفى وراء هذه التعليقات من جهل وأمراض نفسية واجتماعية وضعف ملحوظ في اساليب التنشئة التي تهمل التربية السليمة في الحوار وإحترام الرأي الآخر وتقبل الإختلاف ، مما يجعل التنفيس وفش الخلق بالآخرين والتعدي عليهم بأي طريقة هو حق مشروع للأفراد دون ضوابط اخلاقية او عقلية ولعل هذا قمة التخلف في فهم حقوق حرية التعبير …

ويا ليت الأمر يقف عند الغضب فقط وتحويل هذه الصفحات الى ساحة حرب ومعارك هي اقرب في حقيقتها الى السيرك وبهلواناته التي يقتصر دورها على اثارة الجماهير دون فائدة تذكر ، بل إن ما يؤلم ويخجل وقد يستحق من الباحثين المتخصصين التوقف عنده ودراسته كظاهرة اجتماعية منتشرة هو المستوى السوقي لبعض التعليقات من شتائم بذيئه ومهينه تؤذي من يقرأها حتى ولو لم يكن له علاقة بالموضوع لإنها تعبر في النهاية عن مستوى فكري وانساني دون المستوى …

أن اختلف بالرأي مع شخص آخر شئ طبيعي ومقبول ، وأن اعبر عن رأيي بطريقة حضارية وراقية هو شئ مطلوب بقوة ، فليس المهم أن يكون ما اطرحه صحيحا فقط ، بل إن الطريقة والأسلوب الذي اطرح واناقش من خلاله ما افكر فيه وما اعتقده له ابعد الأثر احيانا من الطرح نفسه ، ولنا في ذلك أدله قرآنية تشجع الاسلوب الراقي والحضاري في النقاش كقوله تعالى في سورة النحل :

ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)

ولاحظوا معي هنا أن الله يأمر ويشدد على الأسلوب الحسن والمؤدب لما له من أثر ايجابي في الدعوة والنقاش حتى مع من اختلفنا معه ، وهو يرشدنا ان نركز على الموضوع وليس على الأشخاص الذي هو اعلم بما في نفوسهم من هداية او ضلال ، ولنا ايضا في رسول الله صلى الله عليه وسلم واخلاقه ومواقفه مع من اختلف معهم امثلة كثيره يستطيع القارئ العوده اليها والإقتداء بها وبما فيها من عبر ودروس نستطيع جميعا الإستفادة منها في آداب الحوار والإختلاف …

سهى عبد الهادي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى