العقل زينة

#العقل_زينة

د. #هاشم_غرايبه

يعتبر الإيمان بيوم القيامة متطلبا لازما لاكتمال إيمان المؤمن، وإيمانه به منتج لإيمانه بالله وتصديقه لما جاء منه.
ولما كان ذلك أمرا سيحدث في المستقبل، فليس هنالك من دلائل مادية تؤكده أو تنفيه، فالبديل لإقناع عقل غير المؤمن هو الاستنتاج المنطقي من الوقائع، وهذه حجة دامغة لمن كان صادقا في اتباعه العقل، وليس مكابرا، بدليل أن الانسان توصل الى أن الأرض كروية، وقبل أن يثبت ذلك حسيا بعد غزو الفضاء، رغم أن الدليل الحسي كان يوهم بأنها منبسطة.
لذلك أسعى فيما يلي الى إثبات حتمية وجود اليوم الآخر باستخدام الدليل العقلي والحجة المنطقية، من غير الإستناد الى الأدلة النقلية (الكتاب والسنة).
بداية لا بد من التوافق على ثلاث حقائق هي من المسلمات التي لا جدال فيها وهي:
الأولى: سواء المقتنعون بأن الكائنات الحية جميعا تطورت عشوائيا من كائن واحد، أو أن كل كائن خلق مقصودا بذاته لأداء وظيفة مختلفة ودور محدد، فالثابت أن الإنسان هو الكائن الأول والأرقى في الأرض، فهو متميز بالعقل، والوحيد الذي يمكنه تكييف البيئة والظروف والكائنات الأخرى لمصلحته.
الثانية: كل الكائنات تموت، ولم يكتشف كائن لا يموت، ولو كان الموت والحياة مبني على الصدفة، وليس هنالك من يتحكم بها، لوجدنا كائنا ما بقي حيا الى اليوم، أو على الأقل عاش آلاف السنين.
والثالثة: يتميز الإنسان بالفردانية وحرية الإرادة والتباين وتطور المفاهيم والمتطلبات بحسب تغير الأزمنة والأمكنة، بينما الكائنات الأخرى جميعا، يتصرف كل نوع منها في نسق موحد، وبطباع وبطبيعة متشابهة الى حد كبير بين أفراد النوع الواحد، مهما تعددت مواطنها، وبثبات متطلباتها وميولها عبر العصور، بلا تغير أو تعديل.
في ظل وجود ملايين الأنواع من الكائنات الحية (وأحدها الإنسان)، فإن منطق تطور جميع الكائنات عشوائيا من كائن بدائي واحد، يفترض أن هنالك درجات متباينة من التطور، وهذه الدرجات متعددة بعدد الأنواع.
لكن الواقع غير ذلك، فجميع الأنواع ما عدا الإنسان، متطورة حيويا بدرجة واحدة تقريبا، والإنسان وحده متطور بدرجة فائقة عنها، وبفجوة هائلة بسبب العقل، والذي هو ليس الجهاز العصبي المركزي (الدماغ والحبل الشوكي)، فكل الكائنات تملك هذا الجهاز مثلها مثل الإنسان.
إذاً فلا شك أن الإنسان كائن مختلف، بمعنى أنه لوحده في كفة، والكائنات الأخرى جميعها في كفة أخرى.
ماذا يعني ذلك؟ ..الإستنتاج المنطقي يقودنا الى:
أولاً: ان خلق الإنسان الأول مختلف عن خلق الكائنات الأخرى، والهدف من وجوده غير الهدف من وجود الكائنات الأخرى.
ثانياً: كل نوع من الكائنات نافع لنفسه ومسخر لنفع نوع آخر أو نوعين، لكن كل الكائنات مسخرة بفطرتها لنفع الإنسان، وحتى الكائنات الدقيقة التي لا يراها ولا يحس بوجودها، فلها دور ولوجودها ضرورة.
ثالثاً: وبما أن الإنسان متفرد وحده بالعقل، فذلك يحمله مسؤولية رعاية وضمان التوازنات الحيوية والبيئية التي تضمن بقاء النظام الدقيق الضابط لكل العلاقات.
رابعاً: ولأن الكائنات الأخرى لا تخرج عن النظام المرسوم لها بفطرتها، فهي لا تتملك زيادة عن حاجتها من الطعام، لذلك فتنتفي عنها صفة الطمع المؤدي للظلم الفادح، والإنسان وحده يمكنه ذلك، كونه متاح له الإرادة والإختيار، لذلك يجب أن يكون تحت المساءلة فيما إذا تحمل مسؤوليته هذه أم حاد عنها.
هكذا نتوصل منطقيا ، في ظل التوازنات الملحوظة في كل جزئيات الكون، أنه لا ينبغي لمخلوق مسيّر مهيأ لما وجد له أن يحاكم على أفعاله، فيما ينبغي ذلك للمخير القادر على الفعل العادل أو الظالم.
ولا يجوز للمخلوق الأول في الأرض الذي قدم في حياته أفعالا جليلة أو قام بأفعال ضارة، أن يكون مآله الى العدم، مثله مثل الكائنات الأخرى التي خدمته ووفرت له حاجاته على غير اختيار منها.
هل يتقبل المنطق في ظل النظام الكوني الذي يربط في كل تفصيلاته بين الأسباب والنتائج، هل يتقبل في التعامل مع المخلوق الأول في الأرض..أن يترك سدى، فينتهي من نفع نفسه وغيره ومن أضر بغيره واعتدى على ما لا يحق الى النتيجة ذاتها!؟.
وكما أن التناسق لابد له من ضابط …فلا بد لتحقيق العدالة من المساءلة، وذلك هو يوم الحساب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى