سواليف
في مشهد شهير من أفلام سيد الخواتم، يتوجه الساحر “غندالف” إلى بلاط الملك “ثيودِن” ليحرر الأخير من قبضة سحر “سارومان” التي جعلت من الملك القوي العظيم شبحا خائر الجسد والروح لا يغادر ظلمات بهو قصره، تاركا إدارة مملكته كلها لحلفاء “سارومان”.
قد يظن المُشاهد أن سحرا كهذا لا يمكن أن يراه سوى في عوالم الخيال، لكن عوالم الحشرات مليئة حقا بما يتحدى خيالات البشر.
ففي دراسة منشورة حديثا بالدورية البيولوجية لرابطة لينيوس، قام باحثون بدراسة الآثار العجيبة لنوع من الدبابير (الزنابير) ينتمي إلى عائلة شبه طفيلية من الدبابير تعرف بالنمسيات، يستهدف العناكب أو لنقل يستعبدها ويغسل أدمغتها!
تدبير الدبابير
يبدأ الأمر كله -بحسب تصريح خاص للجزيرة نت بالبريد الإلكتروني من الدكتور مارسيلو جونزاجا الباحث بجامعة أوبرلنديا الاتحادية بالبرازيل والمشارك في الدراسة- بتمكن الدبور من وخز العنكبوت بمسرئه (المَسرأ: آلة وضع البيض عند الحشرات) داخل الفم، قريبا جدا من الجهاز العصبي.
تحقِن هذه الوخزة العنكبوت بما يكفي لإصابته بشلل كامل لما يقارب الساعة، وهو الوقت الذي يستغله الدبور لوضع بيضة واحدة على السطح الخارجي لبطن العنكبوت، حيث تبقى في مكانها أياما حتى تخرج يرقة الدبور الضئيلة وتبدأ في شق طريقها إلى داخل جسد العنكبوت لامتصاص دمائه، بينما تنفث فيها في الوقت نفسه مواد كيميائية تغير تماما من طبيعة العنكبوت وسلوكه!
فمن طبيعة العنكبوت مثلا -كما يشرح الدكتور “جونزاجا” في تصريحه للجزيرة- أن ينسج لنفسه شبكة متينة محكمة صالحة لاصطياد الحشرات. لكن هذه المخدرات الدبورية التي تحقنها اليرقات داخل أجساد عوائلها وتصل في النهاية إلى الجهاز العصبي للعنكبوت، تدفع العنكبوت دفعا إلى نسج شباك مختلفة تماما، وبمواصفات خاصة جدا تضمن أمن وسلامة الدبور حين يتحول من يرقة إلى خادرة.
وعلى النقيض التام من أهداف العنكبوت من اتخاذ شبكته، تتركز أهداف الدبور على توفير شبكة تتحاشى بأكبر قدر ممكن المسارات المتوقعة للحشرات! فوقوع حشرة كبيرة في براثن الشبكة التي تحتضن الخادرة قد يهدد بسقوط الأخيرة وموت الدبور قبل الوصول إلى طوره البالغ.
يرقة الدبور تستنزف جسد العنكبوت
هكذا يتحول العنكبوت -هذا المخلوق الذي يتحلى في العادة بالقوة والذكاء- إلى “زومبي” (أو ميت حي) لا يعقل شيئا ولا يدري مصلحته، ويتوجه حيثما شاءت يرقة الدبور التي تنخر بطنه وتقود جسده المتداعي إلى المكان الذي يطيب لها هي، ليبني لها مهدا ولنفسه قبرا.
ويظل العنكبوت قابعا -كالملك “ثيودِن”- في عرشه الوهمي النائي تماما عن الحياة وحراكها، حتى ينتهي الدبور من امتصاص آخر قطرة حياة تبقت في أوصاله، ليخرج حينها بصورته الجديدة ناشرا أجنحته، باحثا عن ضحية جديدة قابلة لإعادة دورة الاستعمار.
من المؤكد أن هذا الكشف المثير للدهشة وللتأمل سوف يدفع إلى المزيد من الجهود البحثية الساعية إلى فهم المزيد عن تلك الظاهرة العجيبة المخيفة التي بزغت منذ قديم الزمان في أساطير الشعوب وخيالات كتاب الرعب، قبل أن ترصد أعين العلم “الزومبي” الحقيقيين.