في وداع البرلمان الأردني….الدكتور منتصر بركات الزعبي

لقد تم نعي البرلمان الأردني يوم أمس ولم يصب أحد بحالة من الحزن لأننا فقدناه ،ولن يشارك أحد في تأبينه ولا حتى في زيارة بيت العزاء ولن يغضب أحد لو آن إعلان نعي البرلمان قد ذكر من ضمن حسناته ،وانه قضى سنوات عمره في أعمال البر والتقوى وسوف اعتبر ذلك نكتة سمجة تحملنا مثلها الكثير لان جميع موتانا اعتبارا من السماسرة والحرامية وانتهاء بالخونة كلهم بدون استثناء قضوا أعمارهم المديدة في أعمال البر والتقوى. النكتة أو الكذبة في التاريخ لا تستحق فعلا ان تبقى على قيد الحياة , وبالتالي فإن غيابها هو اصدق ألف مرة من بقائها على قيد الحياة , وبالتالي فإن موتها أفضل ألف مرة من استمرارها , ونسيان مواقفه هو العزاء لكل منا عن ممارسته التي لم تسهم إلا في زيادة تغول الحكومة واستقوائها على الشعب. في الدولِ التي تحترمُ نفسَها وتحترمُ شعوبَها ،نجدُ أنَّ البرلمانَ هو الممثلُ الحقيقَيُّ للشعبِ. أمَّا في الأردُنِّ ،فمجلسُ الأمَّةِ بغرفتيهِ : النوَّابِ والأعيانِ ،ليسَ أكثرَ مِنْ ديكوراتٍ للزينةِ لتجميلِ وجهِ الحكومةِ الذي أفسَدَهُ الدهرُ ،والذي نأى بنفسهِ عَن المهامِّ المنوطةِ بهِ وعلى رأسِها إدارةُ شؤونِ البلادِ السياسةِ . النوابُ يدارونَ بالريموتْ كُنترول ،كما لو كانوا لعبةَ أطفالٍ ،ويرفعونَ أيدِيهم في البرلمانِ دُفعةً واحدةً ،كما لو كانوا جَوقَةٍ مِن عازفِي الكَمنجاتِ ،ليفوزوا برقم الإيداع (/2011/111/16) لدى الشعبِ الأردنِيِّ ! والسببُ :هوَ غِيابُ الشرعيَّةِ عنهم ،لأنَّهم مُتَّهمون بانتِحالِ صِفةِ ممثلِي الشعبِ ،والقانونُ الصادرُ عنهم ،يعاقبُ مُنتحِلَ الصِفةِ ؟!! وهذا يجعلُ كلَّ ما صدرَ عنهم من قوانين باطلاً لأنَّه لا يحِقُّ لإنسانٍ فاقدِ الشرعيَّةِ أنْ يَسِنَّ القوانِينَ التِي تبنِي الشرعيَّةَ ،ولا يحقُّ لهُ القول وبأيِّ شكلٍ مِنَ الأشكالِ أنَّه ممثلٌ للشعبِ ،فالشعبُ مِنهُ براءٌ ،فليسَ هوَ مَن اختارَهُ . لقدْ جِيءَ بِهم لا لِيمثِّلوا الشعبَ ،بلْ لِيمثِّلوا عليهِ لتتحوَّلَ وظيفةُ النائِبِ إلى”وظيفةٍ عكسيٍّةٍ” فأنتَ عندما تذهبُ إلى الطبيبِ فإنَّك تنتظرُ منه دواءً ولا تنتظرُ مِنهُ سُمَّا زُعافاً ،وظيفةُ النائبِ أنْ يُدافعَ عن المُواطنِ حتَّى يتمتعَ بكاملِ حقوقهِ مِن خلالِ سَنِّ القوانِين القامِعةِ للفسادِ ،والدَّاعمةِ للتشريعاتِ القاضيةِ على الفسادِ حتى يستطيعَ أنْ يُزيل َكلَّ مَنْ هو مسؤولٌ عن الفسادِ. ولكنَّ وظيفةُ نوابنا ،لا تتعدَّى صلاحياتُهُ أهواءَ ونزواتِ ومصالحَ مَنْ يُعيِّنُهَ ،لا مصالحَ الشعبِ ،أمَا وَجدْنا نوابًا يتسلَّونَ في حينْ كانَ الشعبُ يتمزقُ . إذًا كيفَ نتوقعُ مِن هؤلاءِ الموجودِين تحتَ قُبَّةِ البرلمانِ – أنْ يُدافِعوا عنْ الشعبِ وقدْ جاء أغلبهم بالتزوير ؟ إنَّ وظيفةَ البرلمانِ الأولى هي التشريعُ ،أمَّا الوظيفةُ الثانيةُ ،فهي مراقبةُ الحكومةِ ،فما التشريعُ الذي قامَ بهِ مجلِسُنا النيابِيُّ العتيدُ ؟إنَّه التشريعُ لقوانين الصحَافةِ المُجحِفةِ ،وخنْقِ الحرياتِ ،وتشريعٌ لمأسَسَةِ الفسادِ ،فلو قرأنَا على سبيلِ المثالِ القوانينَ الصادَرَة عنْه ،ونقارنُها بمواثيقَ وإعلاناتِ حقوقِ الإنسانِ ،سنَجِدُ أنَّها كلَّها تنخرطُ في إطارِ التضييقِ على الحرياتِ ،وليسَ في فتحِ الحريَّاِت ،إنَّها قوانينُ زجريةٌ،ظالمةٌ ،غاشمةٌ ،لاجِمةٌ . إنَّهم بحقًّ كانوا يعيشون في مؤسسةٍ مريضةٍ ،مريضةٍ بالتزويرِ ،مريضةٍ بعدمِ القيامِ بصلاحياتِها ،مريضةٍ بالتغطيةِ على استبدادِ الحكوماتِ . وظيفَتِهم هي حِمَايةُ التسلُّطِ – ولا أقولُ السلطةَ – التَسلُّط مِن سِيادةِ الشعبِ وليسَ حِمايةُ سيادةِ الشعبِ مِن التَسلُّطِ ، وشتَّان بينَ المفهومين ،السلطةُ شيءٌ طبيعٍيٌّ ،لكنْ ما نعانِي منهُ فِي ربوعِ وطنِنَا الغالِي ليسَ السلطةُ وإنَّما التسلُّط . كيفَ سيكونُ عندنَا برلمانٌ حقيقِيٌّ بعدَ فِعلتِكُم المُخزِية عندَما شرَّعتم بالسماح لليهود بالاستثمار في طول الوطن وعرضه ،لتجعلوه لقمة سائغة للصهاينة. أقولُ وبالفمِ الملآنِ :الشعبُ يجبُ أنَّ يُمثَّلَ ،ولا يمكنُ أنْ يمثلَ إلا إذا توافرتْ مكوناتُ اللعبةِ البرلمانيَّةُ ،وهي :حريَّةُ التعبيرِ ،حريَّةُ الصحافةِ ،أحزابُ حقيقيةٌ لا وهميَّةٌ ،حريَّة الانتخاباتِ ونزاهتِها ،وهذهِ الشروطُ غيرُ متوافرةٍ على الساحةِ الآنَ ،إذنْ فإنَّ كلَّ ما سينتجُ عنها فهو هشٌّ وهزيلٌ . نعمْ إنَّ مَجلسنا النيابِيَّ ومَن سيأتي على شاكلتَه سيبقَى يعيشُ حالةَ موتٍ سياسيّ ، بسببِ عجزِهِ عنْ تقديمِ أيِّ إشباعٍ ديمقراطيّ أو اقتصاديٍّ ،أو سياسي أو حتى مِنْ زَاوِيَةِ الكرامةِ الوطنيِّة ، وسيظلُّ في حالةِ نزاعٍ – بينَ الموتِ السِياسِيِّ ، وتأخُّرِ مَرَاسِمِ الدَّفْنِ – مِمَّا سَيُبْقِي الأردنَّ في مُعَانَاةٍ ، وحالةِ احتقانٍ اجتماعيٍّ – والذي حذَّرتُ مِنْهُ أكثرَ مِنْ مَرَّةٍ – أدعو الله – جلَّ وَعلى أنْ يكتبَ لمسيرةِ الوطنِ مزيدًا من المنَعَةِ ، والازدهارِ والخيرِ. وفي الختام أقول عظم الله أجركم وشكر الله سعيكم وجبر مصابكم وأجزل عزاءكم ف [ كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة]

Montaser1956@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى