صدقات فل HD الأصل / ماجد عبد العزيز غانم

في هذا الشهر الكريم هو أنه شهر التقوى والعبادة وشهر الخير والبركة وشهر الشعور مع الفقراء والجياع والمساكين، ولكن يبدو أن الكثيرين في مجتمعنا ما زال هذا الشهر يمثل لهم فرصة للظهور على وسائل الإعلام المختلفة بمظهر فاعل الخير والمتصدق وراعي الأيتام وكأن الصدقة أو عمل الخير لا يجوز أو لا يصح إلا بتوثيقه بالصور والفيديو . عجبي لا أدري ! ألا يعلم هؤلاء أن الله يراهم ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ألا يعلمون أن هناك رقيب وعتيد يسجلان كل ما يفعله الإنسان سواء خيرا أو شرا !! فإذا كان عملهم خالصا لوجه الله ، فالله يعلم ما بأنفسهم ولديه أفضل توثيق لأعمال الخير التي يقومون بها ، أما إذا كان عملهم بهدف جلب الأنظار عبر وسائل الإعلام بغية الوصول لمآربهم ومصالحهم الشخصية فهذه الوسيلة فعلا أصبحت أفضل وسيلة في عصرنا الحاضر للوصول لمبتغاهم للأسف . يوميا وعلى شتى المواقع على هذه الشبكة اللعينة أصبحنا نشاهد هذه المناظر الحزينة ، فهذا نائب يوزع طرودا للخير ، وهذا مرشح منتظر للنيابة يولم بحجة الفقراء ، وهذا رئيس وزراء يوزع كسوة العيد للأيتام ، وهذا عين يمسح بيديه على رأس يتيم ، المصيبة في الأمر هي أننا عندما ندقق في الحضور من خلال الصور نجد أن جلهم من شخصيات المجتمع الغير محتاجة ، سواء من مخاتير أونواب أو أعيان أو وزراء ، ولكن يبدو أن وجودهم أصبح مطلب لإضفاء المصداقية على هذه الأعمال أمام كاميرات الصحافة والإعلام . لكن ألم يسمع هؤلاء بحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي ذكر فيه أن من ضمن السبعة من يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله ” رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما صنعت يمينه ” ، أين هم من هذا الحديث !! أحد الأصدقاء رد علي عندما انتقدت هذه المظاهر في مجتمعنا المحلي بقوله ( والله لو شاهدت دموع الأمهات والأطفال الأيتام لحظة استلامهم لهذه الصدقات لما انتقدت أو علقت على هذا الموضوع ) بصراحة تعجبت لهذا الرد الصادم ، رغم أن صديقي قالها بعفوية وحسن نية ، إلا أن ردي على ما قاله كان سريعا إذ قلت له كيف لي أن أفرح أو أكون سعيدا لرؤية دموع الفقراء والأيتام ، بالتأكيد أنا إنسان ( سادي ) إذا كنت سأتلذذ بمشاهدة آهات وعذابات الآخرين ، وقلت له ألم يكن بالإمكان فعل الخير بدون تصوير هذه الفئة التي أبتليت بالفقر أو اليتم !! لكنني وللأمانة ومن خلال متابعتي للإعلام المحلي وجدت أن هذه الفئة من مستغلي الفقر والحاجة بهذه الصورة في مجتمعنا خلال هذا الشهر المبارك ربما أقول ربما لا يلاموا على أفعالهم هذه ، خاصة عندما يشاهدون وزارة التنمية الاجتماعية وهي التي من المفترض أنها وجدت لخدمة الفقراء والأيتام والمساكين لا تقوم بعمل أو فعالية من هذا النوع إلا وتكون الكاميرات مشحونة ومتواجدة قبل بدء العمل لكي توثق وتنشر عبر الصحف ووسائل الإعلام ما تيسر من صور للمحتاجين وللفقراء وللأيتام ، فإذا كانت الوزارة الرسمية الراعية لأعمال الخير في البلد تقوم بهذا الفعل فكيف لي أن ألوم الأفراد إذا اتخذوها قدوة لهم ، وإذا كان لا بد من التوثيق فليكن في الملفات لا على صفحات الصحف . وقد تذكرت وأنا اكتب هذه الكلمات ما حدث معي قبل قرابة الشهرين حين وصلنا في مركز عملنا المخصص لذوي الإعاقة البسيطة تعميم من وزارة التنمية فحواه منع نشر صور طلاب مراكز الإعاقة وكان ذلك بعد أن قمنا بإنشاء صفحة للمركز على الفيس بوك حيث كان يتم تحديثها يوميا بنشاطات المركز وصور للطلاب أثناء النشاطات وكان قرار المنع بحجة عدم أخذ موافقة أولياء أمور الطلبة لنشر صور أبنائهم ، وكان للوزارة ما أرادت حيث أوقفنا النشر التزاما بالتعليمات علما بأننا لم ننشر أي صورة مهينة لأي طفل معاق ، ورغم أن هذه الصفحة لاقت تفاعلا رائعا من قبل المجتمع المدني والكثير من مؤسساته وبدأ المجتمع المحلي بالتعاطي مع قضايا الأطفال المعاقين بايجابية ملحوظة ، إلا أننا ارتأينا الالتزام بالتعليمات . ومنذ ذلك الحين وأنا أتابع منشورات الوزارة عبر موقع تجمع الموظفين الخاص بها على شبكة الإنترنت وعبر موقعها الرسمي أيضا ، وذلك كي أرى مدى الالتزام بالتعميم ، لكني لم الحظ أي تغير على نهج الوزارة بهذا الخصوص ، فما زالت صور الأيتام والفقراء والمعاقين وهم إما يتسلمون المعونات وطرود الخير أو يتناولون الطعام أو يتسلمون كسوة العيد وغيرها من الصور التي لا تدل إلا على امتهان لحقوق هذه الفئات ، رغم أن بعض هذه الأعمال التي توصف بأعمال الخير لها موازنة مرصودة مسبقا من الدولة ، فهي في النهاية عملا رسميا وليس مكرمة أو منة من أحد على هذه الفئات، ولغاية هذه اللحظة لم اسمع مسئولا من الوزارة ينتقد هذا النهج ، أعود وأذكر بالتعميم سالف الذكر الذي وصلنا وأتساءل بخبث هل تم أخذ موافقة هذه الفئات بنشر صورها يا مسئولينا !! ولكن وبكل صدق ورغم ما هو معروف عني بأنني قلما أتفاءل فأنا متفائل الآن بعد تولي وزيرة جديدة لدفة وزارة التنمية ولما اعلمه أنا شخصيا عنها من أعمال خير متفائل أن يصلها ندائي هذا ، فكفانا امتهانا لحقوق هذه الفئات من المجتمع ، فهذا النهج خاطئ جملة وتفصيلا ، ولا يقبله الله ، فكيف يقبله البشر ، ولتصبح وزارة التنمية فعلا قدوة حسنة في هذا المجال. أيضا ورغم أن لي موقفا مسبقا من العملية الانتخابية في بلدي إلا أنني أتمنى أيضا أن يصل ندائي هذا إلى رئيس الهيئة المستقلة للانتخاب ، وأقول له أن شراء الأصوات وبيع الذمم لا يكون دائما بشكل مباشر معاليك، بل إن أنجع وسائله حاليا باتت هي أعمال الخير التي لا يحلو القيام بها إلا عندما تقترب الانتخابات وهذا موسمها قد ابتدأ معاليك . ماجد عبد العزيز غانم

majeduothman@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى