تأملات إيمانية

#تأملات #إيمانية
د. هاشم غرايبه
هنالك من بين أكثر المناطق الباردة المأهولة في العالم منطقة تسمى “إيمياكوي” في روسيا، يقطنها 472 شخصا، وفي فترة من السنة تمتد شهورا، تنخفض فيها الحرارة الى حوالي 70 درجة مئوية تحت الصفر.
يعرف العلماء أن ماء العين يغطي القرنية دائما، فكلما قارب على الجفاف رمشت العين فرطبتها من جديد، فرغم أن سطح القرنية عند أولئك السكان معرض لدرجة حرارة الجو القارس إلا أنه لا يتجمد، مع أن أي سائل من سوائل الجسم يتجمد فور مغادرته الجسم وملامسته للهواء، بسبب انخفاض درجات الحرارة الهائل.
ترى ما الذي حال دون تجمد ماء العين؟، وهل تميز العين بذلك بخلاف المواقع الأخرى صدفة؟
هنالك الكثير مما يدهش في طبيعة الماء ذاته، فهو والهواء من ألطف المكونات في الطبيعة، ومن أكثرها رفقا بالإنسان والكائنات الحية، لأنهما ضرورة لازمة للحياة، لكنهما أعظمها قوة في الوقت نفسه، فيتعاملان مع غير الحية كجبارين عاتيين لا قبل لشيء بمجابهة قوتهما، فالأعاصير والعواصف لا يصمد أمامها شيء، والسيول والفيضانات تجرف كل ما في طريقها مهما كان راسخا.
من خصائص الماء أيضا أنه المادة الوحيدة التي لا يمكن ضغطها، فكل المواد يمكن تقليل حجمها بالضغط، لكن الماء لا يمكن إنقاص حجمه ملليمترا مكعبا واحدا، ولو تعرض لألف طن، ويستفيد عمال المحاجرمن هذه الخاصية في المناطق الباردة، حيث يملأون الشقوق بين الصخور مساء بالماء، وعندما تتجمد ليلا تتشقق الصخور بفعل تمدد الماء، بقوة هائلة لا يمكن لأقوى الآلات توليدها .
هذه خاصية ينفرد بها الماء، فكل المواد تتقلص بالبرودة وتتمدد بالحرارة الا الماء، فهو يسلك سلوكاً عكسياً يجعله يتمدد بالبروده ويتقلص بالحرارة حتي درجة حرارة (+4) مئوية، وفوقها يسلك السلوك المعتاد لكل المواد.
لا شك أن ذلك كان لتتفتت الصخور التي هي مكون القشرة الأرضية، فتنتج ذرات دقيقة هي التربة، والتي بدونها لا ينبت نبات، الذي هو غذاء الحيوان والإنسان.
وبما أن أكبر حجم وأدنى كثافة للماء عند هذة الدرجة، لذلك فعندما تتجمد مياه البحيرات والمحيطات، يبقى الجليد طافيا فيعزل الماء الذي تحته ويمنع المزيد من التجمد، لكي تبقى الكائنات البحرية على قيد الحياة.
فهل يصدق عاقل أن ذلك ليس عن تدبير حكيم عليم، وعناية رحيم بالأحياء!؟.
عندما يركب المرء طائرة، سيشاهد أسفل منه كتل الغيوم الهائلة كالجبال، هل يعلم أن فيها مخازن مياه الأرض؟ إنها تحتوي على ضعفي كمية الماء الموجودة في المحيطات!.
لماذا لم تبق ينابيعا وأنهارا في الأرض تستعملها الكائنات الحية، بل صعدت الى الغلاف الجوي؟.
لو بقي الماء في الأرض سائغاً للشرب وللمزروعات لنفد بالإسراف في استهلاكه، أو فسد بالتخزين بسبب التلوث وتكاثر الكائنات الدقية وتخمرها، لذلك كانت الخزانات الضخمة للماء في الأرض في المحيطات بدرجة ملوحة لا تتيح استخدامه إلا للأسماك السابحة فيه، ومساحتها تعادل 71% من سطح الكرة الأرضية، لزيادة نسبة التبخر.
وعندما يتبخر الماء تنخفض كثافته فيصعد الى الأعلى نقيا بلا أملاح، لكنه لا يستمر في ذلك حتى لا يخرج الى الفضاء الخارجي، وإذاً لنفذ الماء من الأرض، بل يُحتجز بشكل غيوم، لأنه عندما يصل الى طبقة باردة تبرده فيزداد كثافة فيعلق هناك، لاهو بصاعد ولا نازل، إلى أن تسوقه الرياح الى حيث تتلاقح أنوية ذرات الماء المتجمدة فتثقل، فتسقط مطراً.
صعود الماء بخارا ونزوله ماء، تحكمه معادلات دقيقة، وهو عملية تحلية مجانية لمياه البحر، لكي تستفيد الكائنات الحية منه، فبالتبخر والتكاثف ينقى الماء، وينزل على مناطق عالية، ما كان ليصلها صعودا إلا بكلف ليست بمستطاع البشر، ثم يعود ينابيع وأنهارا نافعة، تصب في المحيطات.
مهما تطورت قدرات البشر، لا يمكنهم أن يوقفوا هذه الدورة، ولا يمكنهم تخزين المياه بما يغني عن المطر، ولذلك قال تعالى بصيغة قاطعة: “وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ” [الحجر:22].
فهل هناك من عاقل بعدُ يشكك في أن ذلك من تدبير الحكيم العليم!؟.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى