الفرق والجماعات الإسلامية / د. هاشم غرايبه

الفرق والجماعات الإسلامية

من البديهي القول أن تشريعات الدين تؤخذ من مصدرين فقط هما الكتاب والسنة، وما لم ترد فيهما من أحكام فقهية (وليس تشريعات) يمكن أن تستنبط بالإجتهاد.
هذا مبدأ مستقر، ولا يجادل فيه أحد سواء كان من أهل السنة والجماعة أو من الفرق والجماعات العديدة المتباينة في اجتهاداتها، والتي نشأت جميعا فيما بعد عهد النبوة، وبالتالي فليس لديها أي استناد تشريعي لأن كل تشريع أنقطع بانقطاع الوحي.
وبناء عليه، فإن أي مسمى آخر لجماعة من المسلمين يستند الى اجتهاد فقهي، يَفرقُهم عن سائر المسلمين بمعتقدات أو تفسيرات أو ممارسات تعبدية خاصة بهم، هو خارج الشرعية الدينية التي أنزلها الله وطبقها رسوله، بل ومخالف لها، بدليل قوله تعالى: ” وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا” [آل عمران:103]، و”وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ “[آل عمران:105 ]، و” وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ “[الأنفال:48].
إلا أن اختلاف المجتهدين في آرائهم لا يعني الإفتراق بينهم، فالإختلاف بينهم هو فقهي يبقى في حدود الفرعيات من الأحكام الشرعية، والتي يجوز فيها الأخذ بوجوه ظرفية متعددة، حسب الزمان والمكان وتغيرات المصالح والتعاملات، وهذا الأمر لا يقسم الجماعة ولا يوجب الإصطفاف والتخندق، فلكل عالم مقتدر حقق شروط المجتهد، الحق في طرح إجتهاده فيما لم يرد به نص قاطع في الكتاب والسنة، والدفاع عن رأيه أمام مخالفيه، ولكل مسلم الحق في اتباع ما يقنعه، من غير إلزام بمجتهد واحد.
هذه هي حدود التعددية، لكن ما تعدى ذلك الى الإفتراق السياسي أو التنازع المذهبي، فهو الذي نهى عنه الله تعالى من التفرق والإختلاف، وهو من أهم أسباب فشل الأمة الحاضر وذهاب ريحها.
إن إصرار فقهاء الفرق المخالفة على تعميق الإفتراق هو في معظمه تلبية للأطماع السياسية وحب الرئاسة، لكن التمادي في الإنسياق وراء تلك المنافع الدنيوية الرخيصة، جعلهم لقمة سائغة أمام أعداء الدين فسقطوا في شراكهم ووظفوهم لتعميق الشروخ في البنية المجتمعية من أجل القضاء على الدولة الإسلامية، وما إن تم لهم ذلك في القرن العشرين، حتى انتقلوا الى منع عودتها من جديد، بشرذمتها وتطوير الخلاف الى كراهية وعداء.
بدأت تلك المساعي الخبيثة منذ اليوم الأول لنشأة الدولة الإسلامية، وكان وجود النبي صلى الله عليه وسلم مانعا من خلاف فقهي، فكان المنافقون مشككين ومثبطين، وفي عهود خلفائه من تلاميذ مدرسة النبوة، كانوا بإيمانهم القوي حائط صد أمام أعداء الأمة الناشئة، فاقتصر الأذى على التشكيك بشرعية القيادة، لم ينجحوا فأقدموا على اغتيال الفاروق الذي تمكن وقبل أن يسلم الروح من محاصرة الفتنة بحكمة، وفي عهد الخليفة الثالث توسعت الأرجاء فوجد المنافقون في ذلك مجالا أوسع، فحرضوا مُشاكليهم من الشعوبيين على الإغتيال الثاني الذي أوقد الفتنة، ولم يتمكن الخليفة الرابع من محاصرتها بعد أن تعددت أركانها، ورغم ذلك كان الإغتيال الثالث، ووجد الطامعون في الحكم الفرصة في تحويل الإختلاف السياسي الى فقهي، وكان ذلك إيذانا بنشوء الفرق والطوائف المخالفة للمنهج الموحِّد للأمة الذي حافظ عليه الخلفاء الراشدون الأربعة، والذي عرف بمنهج السنة والجماعة، واحدثت مناهج جديدة مبتدعة لم يرد بها تشريع قرآني ولا جاءت بها سنة.
كل هذه الفرق كانت لأهداف سياسية، وكان عملها بالفقه لتبرير المخالفة لعموم الأمة، لذلك كانت معاول هدم للأمة، ولم تنتج غير القتل والدمار.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى