الدولة المدنية

#الدولة_المدنية

د. #هاشم_غرايبه

فور انتهاء الأعمال العسكرية في ما سمي بالحرب على الإرهاب، وسكوت المدافع وعودة الطائرات القاذفة الى مهاجعها، بدأ موسم حصاد المحصول عند الغرب المنتصر في آخر حملاته الصليبية، لم تكن الغلة الإقتصادية هي الأهم، إذ هي متحصلة منذ زمن بعيد، فمخالبهم ناشبة في أعناق اقتصادات الدول العربية بحكم التبعية السياسية، بل لم تتعرض هيمنتهم لخطر حقيقي منذ مائة عام، لكن تجارب القرون الماضية لا تطمئنهم الى دوام الأحوال، فقد ظلت هذه المنطقة تحت سيطرة الدولة الإسلامية – الخصم العنيد الذي لا يستكين.
لذا ظهرت نغمات جديدة يروج لها مريدوهم من العلمانيين العرب، مثل مناداتهم بحرب فكرية لقطع دابر الإرهاب (ويقصدون به الاسلام بالطبع)، والمطالبة بالدولة المدنية.
نجاحهم الغرب الحقيقي أنهم فهموا أن سر صمود أمتنا طوال القرون السالفة، لم يكن بسبب شراسة العرب أو تفوقهم، بل بسبب العقيدة التي انتهجوها، فنفخت تلك الروح الإستبسالية وكل ذلك العزم والتضحية.
لذلك حاربوا تلك الدولة من خلال فصل المسلمين عن هذه العقيدة، وتمكنت المخابرات البريطانية من اختراق حصونها بأشخاص اشترت ولاءهم، بداية في رأس الدولة العثمانية (وارثة الدولة الإسلامية)، فتم تشكيل جمعية الإتحاد والترقي وتضم ضباطا ممن تستروا عن معادة الدين بالنزعات القومية والعلمانية، وخرج من بين هؤلاء من بطشوا بالعرب مثل جمال باشا السفاح لتحريضهم على الثورة على الدولة، وبذلك يدعم جهود المخترقين من العرب ممن سموا أنفسهم بالإستقلاليين الداعين الى تحرير الأمة العربية، فيما لم يكتشف الناس زيف ادعائهم إلا حينما أوهموا الشعوب بالإستقلال والتحرر فيما هم نقلوها الى التبعية الغربية، تماما مثلما فعل أتاتورك.
ربما يفسر لنا ذلك حماس الأنظمة العربية لمحاربة العودة التركية الى تاريخها العريق منذ تسلم الإسلاميين السلطة عام 2003 ، فهم وأتاتورك درسوا على شيخ واحد، ويخشون تكرار ما حصل في تركيا عندهم.
لذلك كانت الحرب على الإرهاب استباقا لذلك، فبعد الثورات العربية تبين لأركان لتحالف الثلاثي الخائفين من هذه العودة: (الغرب، والأنظمة العربية العميلة له، والموبوؤن بالإسلاموفوبيا من العلمانيين العرب)، أن جهودهم طوال القرن الماضي في ابعاد العرب عن عقيدتهم فشلت، مثلما فشل أيتام أتاتورك في تركيا، وأن الشعب يريد فعلا إسقاط أنظمة سايكس بيكو.
من هنا أيضا نفهم لماذا كانوا يصرخون: الحرب على الإرهاب ليست أمريكية فقط بل حربنا.. فهي حقيقة كذلك !.
وهنا نتساءل: هل ظهور ما يسمى بالتيار المدني والمطالبين بالدولة المدنية، والذي يحظى بالتأييد الرسمي العربي ويروج له الغرب إعلاميا ويدعمه من خلال مؤسساته مثل مؤسسة كارنيجي وغيرها، هل هو أحد أشكال الحرب الفكرية المكملة للجزء العسكري الذي نجح بتقطيع أوصال الأمة ومعاقبة الشعوب الرافضة لأفكارهم بقتلهم وتهجيرهم؟.
لنفحص ما الذي يطالبون به، وماذا يعنون بالدولة المدنية؟.
هل الدول العربية الحالية دينية أم عسكرية حتى يطالبوا بالبديل المدني؟.
في الجزئية الدينية،لا توجد دولة عربية واحدة دينية، بمعنى تنتهج تطبيق الإسلام، جميع الدساتير غربية المنشأ والمنهج علماني.
أم يقصدون بالمدنية تلك الدولة التي رأسها منتخب ديمقراطيا؟.
كيف ذلك وهم رفضوا نتائج الانتخابات الشرعية الوحيدة في الأمة العربية مرتين: الأولى في الجزائر، والثانية في مصر، وأيدوا انقلاب الجيش على خيار الشعب؟.
قطعا لا يمكن أن يقصدوا رفضهم للدولة العسكرية، فهم كانوا أول المباركين بانقلاب السيسي في مصر.
إذا ما الذي يريدونه حقا؟.
هكذا نتبين الحقيقة، ..إنهم يخشون من قيام دولة إسلامية من جديد.
ويؤكد ذلك المماطلة بتنفيذ الوعود المعسولة بتشكيل حكومات برلمانية، فلا يمكن أن يترك الخيار للشعب، فهم يعرفون أنه سيختار الإسلام، لذلك لن يتم إصلاح سياسي ولا حكومات برلمانية ولا حريات حزبية.
الحلفاء الثلاثة ومنذ قرن يعملون بجد لمنع وصول الإسلام الى السلطة، مازالوا غير قادرين على ذلك إلا بالقمع والإنقلاب وتزوير الإنتخابات.
وسيبقى دعاة التيار المدني معزولون يعيشون في ابراج محصنة، لكنهم لن يحصلوا على التمثيل الشعبي.
ومثلما لم تنفع علمانيي الأتراك حصونهم وتمكنهم من مفاصل السلطة.. سيأتي اليوم الذي ستنتصر فيه إرادة الأمة، وستغدو أخبار تسلط غلمان الأمة على مقدراتها خلال هذا القرن الكئيب ماضيا يروى وينسى، مثلما نسينا تاريخ جاهليي الجزيرة ومناذرة العراق وغسانيي الشام.

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى