التعليم العالي بالجرم المشهود.. #الحلقة_الثانية

التعليم العالي بالجرم المشهود..
#الحلقة_الثانية
د.فلاح العُريني

* عندَما تستقبلُ جامِعَاتُنَا وقودَهَا البشريَّ منْ طلبةِ الثانوِيَّةِ العامةِ، وَهُمْ على شاكلةِ هذهِ السنةِ، بِحيث أصبحَ معدلُ خمسةٍ وَثمانِيْنَ صفرُ العدادِ، نتيجةَ الخداعِ وَالتظليلِ منْ وزارةِ التربيةِ وَالتعليمِ لإنجاحِ مشروعِ الفصلِ الواحدِ، ذلكَ المشروعُ الذيْ شهدَ لِأبنائِنَا شهادةَ زورٍ، منْ خلالِ علامَاتٍ تعانقُ عنانَ السماءِ على الورقِ، وَنركلُهَا بِأقدامِنَا على الواقعِ، حتى أصبحَ التعليمُ بِمهبِّ الريحِ، تتقاذفُهُ حماقَاتُ التربيةِ وَالتعليمِ منْ جانبٍ، وَرعونةُ التعليمِ العالي منْ جانبٍ آخر، بِالوقتِ الذيْ يتجاهلُوْنَ فيْهِ سؤالَ أنفسِهِمْ، كيفَ سَتكونُ مُخرَجَاتُ جامِعَاتِنَا البشرِيَّةِ مُستقبَلًا؟ وَكيفَ سَيكونُ حالُ السوقِ الذيْ سَيصبِحِ مُتخَمًا بِخريجِي الزورِ؟ وَكيفَ سَتكونُ البطالةُ قنبلةً موقوتةً أساسُهَا طالبٌ نجحَ بِالثانوِيَّةِ العامَّةِ رغمَ أمِّيَّتِهِ؟ إلَّا إنَّ النصيبَ شفعَ لَهُ منْ خلالِ محاولةِ إنعاشِ فكرةِ الفصلِ الواحدِ، تلك الفكرةِ التيْ تلوحُ منْهَا رائحةُ البيضِ الفاسدِ، حينَهَا لاتقولُوْا التعليم بِخيرٍ، وَلْتترجلُوْا ياعليَّةِ القومِ.
* عندَمَا يقومُ منْ يحملُ درجةَ الماجستير بِالفنونِ بِتدريسِ مادةِ التربِيَةِ الوطنِيَّةِ، وَعندَما يتولى أمرَ النحوِ وَالصرفِ خريجُوْ قسمِ التاريخِ وَعندَما يصبِحُ عضوُ هيئةِ التدريسِ مُؤهَّلًا زورًا وَبهتانًا لِتدريسِ أيِّ مساقٍ خارجَ تخصصِهِ وَأخلاقِهِ وَدينِهِ، حتمًا سَيكونُ التعليمُ أشبهَ بِقطفِ الفواكهِ قبلَ أوانِهَا، مؤلِمَةً لِلفكرِ وَمضنِيَةً لِلعقلِ وَكارثِيَّةً على المجتمعِ، حيث باتَتِ العبرةُ بِجنيِ المالِ وَاحتكارِ الموادِّ وَحرمانِ أصحابِ الاختصاصِ منْ ممارسةِ حقِّهِمِ الوطنِيِّ المتمثلِ بِنهضةِ الأجيالِ وفقَ منظومةٍ تعليمِيَّةٍ مُتكامِلَةٍ أساسُهَا المدرسُ المختصُّ وَليسَ عبدالمالِ المقتصّ، حينَهَا لاتقولُوا التعليم بِخيرٍ، وَلْتترجلُوْا ياعليَّةَ القومِ.
* عندَما تُفصَّلُ إعلانَاتُ التعيينِ فيْ جامِعاتِنَا بِأيادٍ نجسَةٍ تتربعُ على هرمِ الواسطةِ وَالزعرنةِ، بِحيث تُوضَعُ الشروطُ حسب الخاواتِ وَالأتاواتِ وَعلى أثرِ احتساءِ فنجانٍ منَ القهوةِ الباهتةِ التيْ تُؤتِي أُكُلَهَا في السنةِ مرتَانِ، مرةٌ عندَ الإخفاقِ الأكاديمِيِّ وَأخرى عندَ مُخرَجَاتِ التعليمِ، حينَهَا لاتقولُوْا التعليم بِخيرٍ، وَلْتترجلُوْا ياعليَّةَ القومِ.
* عندَما تقومُ جامِعَاتُنَا بِاستئجارِ دكاكين فيْ كافةِ بقاعِ الوطنِ لِبيعِ شهادَاتِ البكالوريوس وَالدبلومِ العالي، وَيصبِحُ التعليمُ أضحوكةَ الشعوبِ، حتى الغرف الصفية فيْ مدارسِ الرمثا تَمنحُ درجةَ الدبلوم العالي، حتى الخيم وَالحانات على جوانبِ الطريقِ أيضًا تتصدقُ على الجمهورِ بِشهادَاتٍ لا أساسَ لَهَا منَ الاحترامِ، حتى وصلْنَا إلى القاعِ بِسبيلِ دراهمَ معدودَة، حينَهَا لاتقولُوا التعليم بِخيرٍ، وَلْتترجلُوْا ياعليَّةَ القومِ.
* عندَما يُشكِّلُ كلُّ رئيسِ جامعةٍ لوبِيًّا حولَهُ، بِحيث يكونُ هذا اللوبِيُّ منَ المتنفِّذِيْنَ وَالمُتكسِّبِيْنَ، وَيعزفُ معَهُمْ على وترِ الجغرافيا وَالعشيرةِ، وَيكونُ مستعدًّا لِتمزيقِ اللُحمةِ الوطنِيَّةِ وَتفتيتِ النسيجِ الاجتماعِيِّ بِسبيلِ مُواجَهَةِ المُنتقِدِيْنَ لسِياستِهِ، حينَهَا لاتقولُوا التعليم بِخيرٍ، وَلْتترجلُوْا ياعليَّةَ القومِ.
* عندَما يقومُ منْ يُسَمُّوْنَ أنفُسَهُمْ بِالقاماتِ الأكاديمِيَّةِ، بِالطعنِ وَالتشكيكِ بِقُدُرَاتِ أخوةٍ لَهُمْ يَحملُوْنَ نفسَ الدرجةِ وَتتلمذُوْا على أيدِيْهِمْ، وَأغلبُ تلاميذِهِمْ أعلى منْهُمْ كفاءةً، وَأطيبُ منْهُمْ خُلُقًا، وَأعرقُ نسَبًا، وَذنبُهُمُ الوحيدُ أنّهُمْ طالبُوْا بِحقِّهِمْ بِعدالةِ التعيينِ، علمًا بِأنَّهُ لوْ أُجرِيَتِ المفاضلةُ بينَ الجميعِ لَسقطَتْ بعضُ هذهِ القامَاتِ فيْ بحرِ الجهلِ وَالرعونةِ، حينَهَا لاتقولُوْا التعليم بِخيرٍ، وَلْتترجلُوْا ياعليَّةَ القومِ.
* عندَما يفني عضوُ هيئةِ التدريسِ جُلَّ عمرِهِ فيْ الجامِعَاتِ متكسِّبًا لِلمالِ وَلايستطيعُ أنْ ينشرَ بحثًا واحدًا لِيفيدَ وَيستفيدَ، وَعندَما يعجزُ عنْ تطويرِ نفسِهِ، وَيتراخى أمامَ هَوَسِ المنصبِ وَالمالِ، حينَهَا لاتقولُوْا التعليم بِخيرٍ، وَلْتترجلُوْا ياعليَّةَ القومِ.
يتبع في الحلقة الثالثة.
د.فلاح العريني

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى