التسرب المدرسي: الأرق المتجدد

شروق جعفر طومار

التسرب المدرسي: الأرق المتجدد

شروق جعفر طومار

مع اقتراب بدء العام الدراسي، يعود هاجس التفكير في قضية التسرب من المدارس إلى السطح من جديد، القضية القديمة الجديدة التي لم تفلح الدولة بالقضاء من عليها رغم وجود قانون إلزامية التعليم المقر منذ العام 1988، وأصبح بموجبه التعليم الزاميا من عمر 6-16 سنة، والذي كان أهم ملمح لتطبيقه خفض نسب الأمية في الأردن، وذلك تطبيقا للدستور الأردني والتزاما بالاتفاقيات الدولية التي وقع عليها الأردن.

ورغم أن نسب التسرب من المدارس في الأردن ليست مرتفعة مقارنة بالنسب العالمية إلا أن أعداد الطلبة المتسربين ليست هينة، إذ يقترب عددهم من 9 آلاف طالب في الأعوام الأخيرة، نحو 94 % منهم ذكور وفقاً لدراسة أجرتها اليونيسيف العام 2018.

مقالات ذات صلة

من المعروف بأن ظاهرة التسرب من المدارس ترتبط بأسباب عدة، أبرزها الحالة الاقتصادية للأسرة، إذ تدفع بعض الأسر الفقيرة بأبنائها لترك مقاعد الدراسة ليس فقط لتوفير تكاليف المواصلات ومستلزمات الدراسة والمصروف اليومي وإنما لتوفير يد عاملة تسهم في رفد الأسرة بالدخل ولو كان محدوداً.

ومع التردي الشديد في الأوضاع الاقتصادية العامة التي يشهدها الأردن والممتدة منذ سنوات والتي أدت إلى اتساع الطبقة الفقيرة، والى تراجع قدرة الطبقات الأخرى في مساندة الأسر الأكثر فقراً، فإن أعداد المتسربين من المدارس برأيي مرشحة للازدياد في هذا العام والأعوام التي تليه، ما لم يتم التعامل بحزم مع الظاهرة.

المشكلة في قانون الزامية التعليم تكمن بشكل رئيس في جانبين، الجانب الأول يتعلق بالنص وبتعريف التسرب وما يترتب عليه، والجانب الآخر يرتبط بآلية التنفيذ ودرجة الجدية فيها.

من حيث النص فإن الإلزامية وفقا لحقوقيين تعني بأن أولياء الأمور، الذين يخرجون أطفالهم من المدارس أو يسمحون لهم بذلك، يرتكبون مخالفة يستحقون عليها المساءلة، ولم يتم في النص إدراج توضيح صريح لشكل المساءلة أو طبيعتها أو تحديد أي شكل من أشكال العقوبة المترتبة عليها.

ومن حيث الإجراء المتبع، فإن ما يتم هو قيام المدرسة بتبليغ مديرية التربية بتغيب الطلبة، والتي تقوم بتبليغ الحاكم الإداري ليتخذ إجراءاته. بمعنى أن الأمر في نهاية المطاف يترك للإجراء الذي يراه الحاكم الإداري مناسباً.

وما يتم على أرض الواقع في العادة هو أن الحاكم الإداري يستدعي ولي الأمر بواسطة الشرطة، ليتعهد ولي الأمر بإعادة الطفل إلى المدرسة.

لكن ماذا لو لم يعد الطفل إلى المدرسة أو عاد لأيام ثم انقطع؟؟ الإجابة: لا شيء. فالقانون الذي نص على إلزامية التعليم لم يتضمن إجراءات لضمان ذلك ولم ينص على عقوبات لأولياء الأمور المخالفين ولم يعط صلاحيات فعلية للحكام الإداريين، الذين اضطر كثيرون منهم في بيئات اجتماعية معينة لقبول إجابات من أولياء أمور الفتيات خصوصا من قبيل ” البنت كبرت وأنا لا أريدها أن تخرج للمدرسة”.

الثقافة الاجتماعية والحالة الاقتصادية والبيئة وتدني جاهزية المدارس الحكومية خصوصاً فيما يتعلق بذوي الإعاقة، وتراجع جودة التعليم فيها كلها أسباب تؤدي إلى تنامي ظاهرة التسرب من المدارس، لكن وجود قانون بالزامية التعليم وحده لا يكفي.

فالقوانين وجدت لتطبق، ولتغير ثقافة الناس ولتحميهم من الجهل، وفي حالة الطلبة المتسربين وهم قصر، فالقانون هنا حق في يد الدولة لحماية القاصر إذا تجاوز وليه القانون أو انتهك حقا من حقوقه.

التراخي في تطبيق هذا القانون يمثل مشكلة مؤجلة، خصوصا إذا توسع التسرب كثيرا وأصبح لدينا جيل من الأميين الذين لا يمكن لهم أن يكونوا سوى عبء إضافي على المجتمع والدولة وسبب أساسي لمزيد من التراجع في مختلف الاتجاهات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى