إلا الأسرة فيها حياتكم فلا تعبثوا فيها
وعزة من فلق لموسى الحجر لقد أقفلت القلوب، وصمت الآدان وعمي البصر.
أن دعوا استغناء الذكر عن الأنثى، والأنثى عن الذكر .
لقد دق جرس الخطر ،
واقتربت الساعة وانشق القمر .
أين غيرة بني البشر ؟
وأين قداسة الأسرة ؟
أين دورها المنتظر ؟
أم طغى الفجور،
أو قد زاد البطر ؟
أم قد تحقق فيهم قوله المستتطر ؟
(( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ (23) أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) من سورة محمد
لو لم يكن اﻻ هذه الاية للحث على الحفاظ على الاسرة والتحذير من المساس بها والوتنويه بقداسىتها وعظم جرم الجناية عليها لكان كافيا.
ولأن الأسرة كانت وﻻ زالت أساس تكوين المجتمع ، وبصلاحها ضمان صلاح المجتمع وبتفتتها تفتت المجتمع ، وأعظم كارثة هو تفتت الأسرة ولعلى أوضح مثال للأسرة تشبيهها بالنواة ذلك ما عبر به البرفيسور سيف العسلي ( بأنها كالنواة وأن تفتتها أشبه ضررا بالانفجار النووي للنواة الذي يعني دعواهم الشاذة اكتفاء الذكر بمثله والأنثى بمثلها.)
” سبحانك إلهي كرمتنا أيما تكريم
لما أردت أن تخلق بشرا من طين ، صورته بشرا سويا، وعلمته أسماء الأشياء الكلية والجزئية ، وأسجدت له الأملاك العلويه والأجرام السفلية ، فأشرف من أفلاك حواسه على ملكك العظيم، ونظر الى عجائب جنة النعيم ، فناجته القوة العقلية بلسان التفهيم قل : ( سبحان رب السماوات السبع و رب العرش العظيم .)
، فلما أرادت تناسل الأشياء من الأشياء ، وإخراج الأحياء من الأموات ، والأموات من الأحياء، خلقت له من نفسه زوجه حواء، فمن ثم تجاذب الطبعان بين الذكر والأنثى وتوافق الجنسان بالشهوات والأهواء، فاعتنق الجسمان بطبع مقتهر والتقى الماءن بأمر قد قدر ……)1
فكانت هذه الأسرة الموسومة ب”آدم وحواء “هي النواة الاولى وحجرة زاوية الحياة وشجرتها التي استغلظت فاستوت على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بها الكفار .
وهل أعجبت الملائكة إﻻ به ؟
وهل سجدت إلا له من بين مخلوقات الكون ؟
وهل أغتاظ إبليس اللعين إﻻ منه ؟
وهل طرد إﻻ بسببه ؟
وﻷن قدم الاسرة مع قدم الحياة ، ووجدت مع وجودها فهي ضرورية دل على ذلك اضطرار حاجة آدم لحواء ، واضطررحواء لآدم ، فهي ضرورية لبقاء الحياة والحفاظ عليها ، والعيش الرغيد والسكنى لا يكون اﻻ بإسرة أقلها الزوج والزوجة هذا من ناحية،
ومن ناحية أخرى فإن النسل والحفاظ على النوع الانساني لا يكون الا من خلال الأسرة ( زوج وزوجة، أب وأم ) واستحالة وجود شخصا بدون واسطة ذكر وأنثى إذا ما أستثنينا آدم وعيسى عليهما السلام .
ومن إجل تقوية عرى الأسرة والحفاظ على النوع الانساني جاء التوجيه الرباني ،
( .وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ۚ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۖ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ (22) قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) من سورة الأعراف .هذه واحدة من قصص نشأت آدم وحواء وظروف ملابستها التي اخبرنا بها الذكر الحكيم .
لقد حملت الايات أول الإشارات للاسرة بأقل صورها، وفي حقيقة الأمر فان الأسرة تتوسع دائرتها الى الاباء والابناء وما على منهما كالاجداد او سفل كالاحفاد ، والأخوة .ثم الرحم ثم العاقلة . ثم ينشأ مجتمع القرية. …الخ
وبالنظر الى الايات نجد أن العدو الأول للأسرة هو إبليس عدو الحياة..
فلقد اشتد غيضه وفاض حسده وبدة العداوة والبغضاء منه، وأراد القضاء على هذا المكون منذ الوهلة الأولى ، وهذا بعضا من محاولته البائسة :
يا آدم
أتعلم لم نهاكما ربكما عن هذه الشجرة ؟
حتى لا تكونا ملكين ، أو تكونا من الخالدين …هل أدركتم خبث مقصده ومغزى قوله يريد أن يعطيه انطباعا عن نفسه أنه حريص على مصلحته أكثر من ربه- لعنه الله- .ويريدهما أن يكونا ملكين أو يكونا من الخالدين ، بمعنى أن تتغير متطلبات حياتهما ﻻ لشيئ فقط بمجرد أكل الشجرة ، وستختفي لديهما الدوافع الاضطرارية للأكل والشرب من اجل البقاء على قيد الحياة كالملائكة
إن عملا بمقتضى نصحه ،
— يا إلهي إنه غوي مبين عرض مغر جدا أعاذنا الله من فتنته وغوايته ..–
واستخدم اسلوب التعليل المشتمل على الاقناع… – (ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين )
وعقب ذلك بأسلوب أكثر إقناعا وهو القسم ( ( وقاسمهما اني لكما لمن الناصحين )
أتدرون كم أسلوبا إقناعيا أستخدم ؟
ثلاثة أساليب :
الأول : إفادة الجملة الحصرية التعليلية دافع الحرص لديه على مصلحة آدم.
الثاني: أسلوب التعليل وهو أسلوب إقناعي .
الثالث: أسلوب القسم .
لكن من ناحية أخرى فإن أبونا آدم عليه السلام وأمنا حواء لم يتكبرا بل أعترفا بما أقترفاه من أكل الشجرة
” قالا : ربنا ظلمنا انفسنا وإن لم تغفرلنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ”
فتعلمنا من آدم درسا عظيما وقدوة حسنة في التوبة والاستغفار.
لقد فشل إبليس فشلا ذريعا مع أبونا آدم مرتين الأولى حين تكبر أن يسجد مع الملائكة لآدم ، والثانية حين أراد تدمير الأسرة حين وسوس لهما بأكل الشجرة ، وﻻ زال عدو لإنسان الأول.
فحذاري حذاري !! من غوايته
إذ هو العدو الكاذب والناصح الخائن
فمن استنصحه فلا يلومن إﻻ نفسه .
فإذا أردت أن تحافظ على هذا المكون المقدس فأبتعد عنه وأحذر ان تقع في حباله التي …..
ﻻ زال يعمل ليلا ونهارا لدمار حياة ابناء آدم من خلال الاسرة ،
ومن لديه شك فما عليه إﻻ ان بتأمل قليلا ، ويجول بفكره ليدرك الى أي مدى بلغ الضرر بالاسرة والمجتمع من خلال دعوته وأوليائه الى إشباع الرغبة الجنسية بعيدا عن الاسرة المبنية على الزواج القائم على الرضا والقبول ،والقائم على الإلتزام المبسق بالميثاق الغليظ ، بما تضمن عقد الزواج من حقوق وواجبات أولها أن تقتصر الممارسة الجنسية بين الزوجين فقط ، ثانيا : القيام بواجب رعاية ما تناسل منهما ،
ثالثا: شيوع المحبة والمودة بينهما والتعامل بالعدل والمعروف والإحسان وبهذا تحافظ الأسرة على قداستها وتتمكن من أداء دورها وتحقق حياة سعيدة لها ولابنائها. ..
ومن الملفت للنظر الى أن إختلاف طريقة عقد الزواج بين مختلف الأديان والشعوب ليس كبيرا ، ﻷنه ببساطة يقوم على التراضي ، والالتزام بتكوين الأسرة، فيوجد قدر كاف من القوانين والأعراف ما يجعلها تفي بالحد الادنى للحفاظ على الاسرة ان تم الإلتزام بها وتطبيقها بصرامة .
ومن حسن حظنا نحن المسلمين أننا نمتلك ثروة عظيمة بما أشتمل عليه القرآن وما أحاط به الأسرة من الرعاية والاهتمام والتفاصيل الدقيقة لكل ما يخص الأسرة ورعايتها والحفاظ عليها ، وهو مفيد للعالم جميعا إن أحسنا نحن تطبيقه حينها ممكن أن ننقلها للأخرين لتصحيح ما لحق بالأسرة من تشوهات تكاد لا تصدق ولكنها حاصلة
حتى وصل الامر الى تهديد حقيقي لتدميرها من خلال الدعوة الى الإباحية القذرة ، ولم يتوقف الأمر الى هذا الحد حتى ظهر ما يسمى بالمثلية اي عدم حاجة الذكر للأنثى أو الأنثى للذكر واستغنى كل جنس بجنسه .
مما يتوجب على المجتمع أن يعلن النفير العام للحفاظ على هذا الكيان المقدس .
وكل المحاولات الجهود الهدامة التي بذلت وتبذل من أجل عزل الاسرة وحيادها الاستغناء عنها قد باأت بالفشل ولا يمكنها ان تنجح فلا يمكن
لأي مؤسسة مهما كانت أن تحل محل الأسرة سواء كانت مؤسسة الدولة أو مؤسسات خيرية أو مدنية ، فقط قد تخفف من الأضرار التي تلحق بمن يحتاجون إلى الرعاية حين افتقادهم العائل كضرورة وﻻ يمكن أن تحل محل الأسرة وليست بديلة عنها وﻻ تساويها ، حتى على فرض تطور أطفال الأنابيب فإن الطفل بعد خروجه الى حيز الوجود يخرج مفتقرا لكل شيء فيحتاج الى عملية شاقة من الرعاية والعناية، التربوية والعاطفية والتعليمية …..سلسلة من الاحتياجات. .
ولا أحد من الناس أشد حرصا ومحبة على أولاده من أمهم وأبيهم ، يقدمون حاجات أبنائهم على حاجاتهم دون مقابل فلذلك كان من مقتضيات الحكمة وجوب الشكر لهما بعد الله سبحانه وتعالى: وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ
وَوَصَيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ
وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
13,14,15 من سورة لقمان
ولقد راع الله سبحانه وتعالى أن تستمر هذه العلاقة بين الأبناء والآباء بعد بلوغهم الرشد إذ هما أحق الناس بحسن صحبته وﻻ يكدر صفو هذه الصحبة أي شيء كائن من كان بما في ذلك حق الله سبحانه وتعالى في حال اختلاف دين الأبناء عن الآباء بل ينبغي أن تبقى حقوق الوالدين مصونة لدى الأبناء،
كما في الآية السابقة
كما يجب على الأبناء أﻻ يتعاملوا مع الآباء بالمثل بل يتذكرون كيف كان آباؤهم معهم حال صغرهم ، وﻻ تقبل أي مبررات لعقوقهم حتى على فرض تقصير الآباء مع أبنائهم في حال صغرهم، وﻻ يقبل من الأبناء تقديم اللوم لهما ، بل يتوجب عليهم أن يحرصوا في المستقبل تجنب ما وقع به ءاباؤهم من أخطاء مع أبنائهم ، ويحرصون على التودد والدعاء ﻻبائهم والتحنن عليهم .وقد أرشدتنا الآيات في سورة الأسرى قال تعالى : وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا . وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا . رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا } {الإسراء/23-25}
.ربي اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعائي ربي اغفر لي ولولدي وارحمهما كما ربياني صغيرا.
……..
هامش
1 – فيه اقتباس من تسابيح الشيخ أحمد ابن علوان رحمه الله