
أمي وطن
زمان … كانت أمي تسبل الخصلات حينا وحينا تجدلها … زمان … تحت ” لحفة الوهد ” كانت تخبأ مشطها وكحلها وزجاجة العطر ، لأمي كانت شامة على الخد سوداء كالليل … وضحكة جميلة ساحرة وغمازتين ، أرى فيهما الدنيا وأرى الدنيا في عينيها المكحلة … أمي وقتها كانت الأجمل .
أمي كانت عطرية الدار وحوض نعنعها … وفيروز الدار الصباحية عندما تتمتم في كل صباح وفي نهاية كل مساء تمتماتها وأذكارها … رزنامة الفرح الوحيدة التي لا تقطع ورقها بل تضيف لعمرك كل يوم ورقة جديدة مليئة بالفرح والأمل.
أمي … أول محراب تعلمت فيه الصلاة … وأول مخبأ خبأت في حضنها أحلامي وآمالي ومنشورات الشوق والحب السرية ، كانت الملاذ والمناص وشاهدين المسابح .. عينها اليمنى كانت شمسا ، وعينها اليسرى قمرا … وأنا المسافر بينهما ، وبين كل محطة ومحطة تطبع على خدي كجواز سفر قبلة وعلى صدري ضمة .
أمي كانت الصفاء والبهاء … واللحن والقصيدة أول المطلع وآخر القافية … والوسادة الوحيدة التي أتعذر بالنوم ، لأغفو عليها.
منذ أكثر من 25 عاما رحلت ، بعدما تدلت وانحنت كعرق دالية وأثقلتها قطوف المرض … رحلت وكل شيء رحل معها وغاب وكل شيء بعدها تغير … كل شيء … حتى الأوطان لم تعد حنونة ولم تعد ” تهدل لنا ” ولم تعد تشبه أمي.
المحامي خلدون محمد الرواشدة
Khaldon00f@yahoo.com