بين دفتي هذه الكلمة قد تصادف مفارقة عجيبة ، تضعنا أمام سؤال عميق ! ترى هل الأخلاق تنبع من الدين وحده أو من البيئة المكتسبة! هل كل شخص تبدو على أقواله و ملامحه الأخلاق هو شخص يحمل الخير لمن حوله و هو شخص صالح . هل كل شخص لا تظهر على ملامحه أو طريقة حياته الأخلاق هو شخص فاسد ! أذكر قول علي بن أبي طالب حين قال: من لانت كلمته وجبت محبته. فهل معنى هذا أن طيب القول هو شخص صالح حتى لو لم نر أفعاله! هل كل صاحب دين هو حسن الخلق ! هل كل صاحب أسبقيات هو شخص لا خلق لديه. جميعنا يعلم أن رسولنا الكريم جاء ليتمم مكارم الأخلاق . اي أنها جزء لا يتجزأ من الدين ولكن لو نظرنا من حولنا بشكل دقيق ، بعيدا عن توجهاتنا الدينية، فأنا برأي أن الأخلاق تنبع من شخص الإنسان، فيعززها الدين و تثبتها البيئة من حوله. قد تصادف رجل ملتحي لا يفارق المسجد، إلا أنه لا يصدق في مواعيده أو يكفر كل من حوله أو يقلل من قيمة الآخرين. وكأنه يعلم مافي القلوب، أو يملك سلطة ليحاسب غيره ، وكأنه علام الغيوب! وقد ترى شخصا عاديا ليس بالضرورة أنه ملتزم و ملتحي، إلا أن الصدق في قوله يكاد يتضح وضوح الشمس، لا يستخف بمن حوله ، ولا يقلل من شأن غيره . الأمر الذي يضعنا في خانة عدم ربط الخلق بالدين ، أو عدم الجزم بأن قليل الدين لا خلق لديه. الأخلاق منظور تربوي، يفترض أن يتم تعزيزه من الطفولة ، وأن لا نترك تسيير دفته للدين وحده. في عقل البعض هناك صورة نمطية للأخلاق ، تتمثل في أن الخلق مرتبط بطول اللحية! أو بعدد التسبيحات في المسبحة. فيتسرع بالحكم عليه و كأنه نبي عصره. و يعطيه الحق في أن يحكم على دين غيره. متناسيين أن الله وحده يعلم مافي الصدور وما تحتويه الأفئدة. جميعنا يعلم أنه قد جاء الدين و معه الأخلاق في مختلف الكتب السماوية، ولكن تبقى الأخلاق نابعة من أصل الفرد ، نابعة من حدوده الفردية لاحترام نفسه واحترام غيره. فمن احترم نفسه صدق مع غيره . وقد قال البعض: أن يصحبني فاجر حسن الخلق أحب إلي من أن يصحبني عابد سيء الخلق، لأن الفاجر إذا حسن خلقه خف على الناس وأحبوه، وأما العابد إذا ساء خلقه مقتوه وكرهوه. هذا كله يرسم لنا ملامح صورة حقيقة و ميزان علينا أن نستخدمه لقياس خلق الفرد، ليس مربوطا بعباداته، بقدر ماهو مرتبط بتصرفاته. من الخطأ أن تقيس صلاح أحدهم بقوله لا بفعله. فالبعض تجلس معهم وتسمع قصصا عن الصلاح والالتزام لا حصر لها ، ولو تتبعت حياتهم لوجدتهم لا يطبقون أيا منها. اجعل معيار حكمك على الأخلاق ، بما ترى وليس بما تسمع ! في النهاية تبقى الأخلاق من العلوم المعيارية، التي تحتمل أكثر من تأويل للقياس.
أقرأ التالي
سواليف اللحظه
2024/11/25
شتاء آخر قاسٍ على غزة
سواليف اللحظه
2024/11/24
ماذا يحمل الحلم من رسائل؟
سواليف اللحظه
2024/11/23
مجدرة سياسية / هبة عمران طوالبة
2024/11/25
شتاء آخر قاسٍ على غزة
2024/11/24
ماذا يحمل الحلم من رسائل؟
2024/11/23
كل اليهود لإسرائيل جنود / الجزء الرابع
2024/11/23
مجدرة سياسية / هبة عمران طوالبة
2024/11/22