الأردن: بين تصرفات فردية وتخوف من ” ظاهرة استخدام الأسلحة في المدارس”

سواليف _ خاص _ ديما الرجبي

باتت أزمة العنف المدرسي تؤرق المجتمع الأردني، في ظل تجنب طرح هذه القضية بشكل جدي نظراً لعدم الإعتراف بوجود أزمة تربوية من قبل وزارة التربية والتعليم وأهالي الطلبة .
وفي ظل غياب الرقابة المشتركة بين الأهل والمدرسة ، أصبح من السهل اخفاء أو حيازة أو استخدام سلاح أبيض أو سلاح ناري في الحرم المدرسي .
شهدت الأردن حالات سميت “بالفردية” ما بين تنمر وعنف وإستخدام الأسلحة النارية في المدارس ونتج عن هذه ” التصرفات الفردية ” حالة وفاة في إحدى مدارس العاصمة عمان هزت الوسط المجتمعي وعلت صوت المطالبات للحد من هذه التصرفات التي أوشكت أن تصبح
” ظاهرة ” لا يرغب أحد من المسؤولين الاعتراف بها .

ولم يتم التطرق إلى هذه القضية إلا من خلال تصريح او إثنان من قبل وزارة التربية والتعليم على أثر تصوير فيديو لطلبة يتنمرون بالضرب على زميلهم وحادثة إطلاق النار السالف ذكرها ، حيث قالت الوزارة بأنها ستعمل على وضع خطة طارئة للحد من ” التنمر ” في المدارس وعمل برنامج يساعد على تنمية الحس المجتمعي والتربوي للطلبة من خلال تفريغ حصص من الجدول اليومي لخلق حوار بين المعلم والطالب.
وفي هذا الشأن كان لسواليف حديث مع مدير مدرسة الشامل الثانوية للبنين الحكومية ورئيس لجنة القضايا في نقابة المعلمين في محافظة الزرقاء الأستاذ فالح المومني الذي عرض مؤخراً على صفحته الشخصية في موقع التواصل الإجتماعي ” فيس بوك ” صوراً لأسلحة بيضاء قام بضبطها مع طلبة داخل الصف ، لإيصال رسالة لذويهم وللمجتمع الأردني بأن الطلبة بحاجة إلى مراقبة ومعالجة فعلية .

وسؤاله لماذا يحمل الطلبة هذه الأدوات الحادة في الحرم المدرسي ؟

يقول المومني قمت سابقاً بمخاطبة اولياء أمور الطلبة حول حيازة أبناءهم لأسلحة بيضاء لكن لم أجد تجاوباً منهم ، حينها قمت بعمل جولة تفتيشية منظمة بالتعاون مع بعض الطلبة الذين نستخدمهم لضبط هذه الأدوات الحادة وإعلامنا سراً بأسماء الذين يحتفظون بها دون إشعار باقي زملائهم بذلك ، وإجتمعت مع ذويهم لعرض تلك المقتنيات التي تتنوع ما بين
” أمواس ، مشرط ، بومة ، دخان ” وقطع أخرى ، كانت ردة الفعل مقتصرة على التبرير وعدم الإكتراث ، ومنهم من طالب بإسترجاع تلك القطع الحادة ، مبررين لأبناءهم بأن تلك الأدوات للدفاع عن النفس ؟!

يقول المومني هناك “تصفية حسابات” بين الطلبة مع بعضهم البعض ومعظمهم يحمل الأدوات الحادة حتى يوهم الآخرين بأنه ” أزعر ” وآخرين يغرر بهم من أقرانهم حتى يقول عنهم أصدقائهم بأنهم أقوياء والخلاصة المهمة ومن خلال موقعي التربوي اؤكد بأن الكثير من الآباء لا يستطيعون السيطرة على أبنائهم، كما أن الدور العشائري في الأردن يحد من أخذ الإجراءات اللازمة التي من شأنها ردع تلك التصرفات، لذلك نحاول أن نعالج هذا الأمر داخلياً دون اللجوء إلى قوانين الضبط التي تخولنا برفع تقرير إلى وزارة التربية والتعليم وطلب محاكمة الطالب الذي يتم ضبط أداة حادة بحوزته ، لذلك أعتقد بأن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الأهالي ، ولابد أن نشير بأن بيئة وموقع المدرسة لهما دور كبير في تكوين شخصية الطالب ، ولا ننسى الوضع الإقتصادي الراهن الذي يدع فرصة للأبناء بإستغلال ضيق حال ذويهم ونقص تلبية طلباتهم بالتعبير عن غضبهم بهذه الطريقة التي أتمنى أن تبقى تصرفات فردية ولا ننتقل للحديث عن ظاهرة ، لذلك قمت بنشر صورة للأدوات الحادة التي تم ضبطها لكن لم أجد ردة فعل كما يجب وإكتفى الإعلام المحلي بنشر خبر عن مدرستنا دون الإنتباه للرسالة التي قمت بتوجيهها لأهالي الطلبة .

وبالحديث مع عضو نقابة المعلمين تامر البواليز لسؤاله عن هذه القضية

يقول البواليز
أعتقد أن هناك تهويل كبير حول ما يحدث مؤخراً في بعض المدارس ولا ننكر بأن التنمر والعنف في مؤسساتنا التعليمية كان وما زال قائم ولكن لم يصل الأمر إلى ” الخوف ” من تفاقم أزمة ، حيث أني أرى بأن الإداري الناجح هو الذي يستطيع ضبط إيقاع المدرسة كما يريد وضمن ما يحقق العدالة للطرفين _المؤسسة والطلبة_ ، وليس عرض قضايا العنف بطريقة سوداوية ولا بطريقة تستفز الطالب وتجعله يتعنت لتصرفاته ، حيث أن الطالب يجد هذه الطريقة الوحيدة للتعبير عن نفسه في ظل الظروف الاجتماعية والإقتصادية التي بدأ بالشعور بتبعاتها ،من حيث نمط المعيشة الذي يطمح إليه أي طالب ويفتقده ، هناك العديد من المؤثرات تدفعه للبحث عن طرق للتعبير عن ذاته، فلا يقتصر الأمر على حيازة أسلحة بيضاء ، وتتفاوت التصرفات بين الطلبة من حيث البيئة والوضع الإجتماعي والإقتصادي ومناخ التعليم في كل منطقة ، ولا أعتقد أن الأهالي هم المسؤولين عن هذه التصرفات داخل الحرم المدرسي فهذه مسؤولية المعلم أيضاً بضبط وتقويم تصرفات طلابه ، فلو وجد الطالب تعليم حقيقي يلمس شخصيته ويقوّم تصرفاته ويؤثر على نضوجه فلن يبحث عن طرق أخرى للتعبير عن مشاعره.
يجب أن نبحث عن جذر المشكلة وليس فقط ذكر جوانبها ، جميع سياسات التعليم بالأردن تتبع اسلوب اهمال الطالب من المرحلة الإبتدائية، فكيف نستطيع تقويم أداء أو تصرف في المراحل الثانوية او الجامعية ؟

نحن نتحدث عن خلل في منظومة تربوية وتعليمية وهناك مسببات عديدة ولا نستطيع إلقاء اللوم على طلبة بعمر المراهقة لا يعلمون مصلحتهم ولا بد أن ننتقل من لوم الأهالي إلى الحديث عن مسؤولية وزارة التربية والتعليم التي تتبع اسلوب ” امتصاص الغضب ” من خلال تصريحات تواكب الحدث ولا تعالج القضية وهذه الخطابات لطالما سمعنا بها ولم تحرك ساكناً ولقد طالبنا كثيراً وما زلنا نطالب كنقابة معلمين بأخذ التجربة السنغافورية واليابانية وتطبيقها لدينا وإنصاف المعلم من حيث إعادة هيبته من خلال اصلاح التشريعات التي همشت المعلم كتربوي وقائد، وقمنا بمخاطبة وزير التربية والتعليم الدكتور عمر الرزاز بأن هذه الخطابات لن تجدي نفعاً وما زلنا ننتظر إصلاحات فعلية ملموسة على أرض الواقع .
وأعتقد بأن أصحاب القرار في الأردن إذا أرادو أن يصلحوا ملف التربية والتعليم فسيحدث ذلك ، ويجب أن يتم أخذ هذا القرار سياسياً ليتم تنفيذه.

بينما يرى الخبير التربوي الدكتور سليمان العباس بأن هذه التصرفات الفردية لها أسباب إذا اؤخذ بعين الإعتبار معالجتها تستطيع المؤسسة التربوية التعليمية تفادي تفاقم الأزمة ومعالجتها في المهد .

يقول العباس

إنني في ضوء اطلاعي على الكثير من أحداث العنف في الجامعات والمدارس، خلال سنوات عملي الطويلة التي تزيد عن عشرين عاماً في عدة مؤسسات تعليمية، استطعت أن أرسم أبرز ملامح الظاهرة، التي يمكن أن تتركز في الأسباب التالية
انعكاس ثقافة المجتمع على مؤسساتنا التعليمية وبكل أسف، فإن الأصل أن تنعكس ثقافة المدارس والجامعات على المجتمع، ولكن ما يحدث هو العكس تماماً ، أيضاً التربية التي ننشيء عليها أطفالنا، فالكثيرون من الأهل يغرسون في أطفالهم ثقافة العنف منذ بدايات حياتهم. ويستمر الوضع في المدارس وينمو معهم. فعلى سبيل المثال، حين يعود طفل من مدرسته، ويخبر والدته بأن زميلاً له اعتدى عليه وتطالبه بشدة أن يرد بعنف على كل من يعتدي عليه، مع أن بإمكانها أن تغرس في نفسه ثقافة أخرى بدلاً من حثه على هذه الطريقة ، كاللجوء إلى إدارة المدرسة أو المدرسة المسؤولة مثلاً.
والقبولات الاستثنائية تلعب دوراً في توفير مناخ للعنف، لأن من أتيحت له فرصة دخول الجامعة بكل يسر وسهولة، لن يعرف قيمة ما وصل إليه. كما أن بعض التخصصات التي يستسهلها المنتسبون إليها، تجعل لديهم الكثير من الفراغ، فيشغلوه في مهاترات جانبية قد تفضي في النهاية إلى مظاهر عنف تبدأ بسيطة تدريجياُ ثم لا تلبث أن تتسع وتتطور إلى ما هو أسوأ.

والسبب الأخير هو عدم وجود قوانين حازمة وعقوبات رادعة يتم إيقاعها بكل من يتسبب بشكل مباشر أو غير مباشر باندلاع أي شكل من أشكال العنف في أية مؤسسة تعليمية، وتعريض حياة أبرياء للخطر، إضافة للإساءة إلى سمعة المؤسسة. ومن النادر جداً أن يتم فرض عقوبة على متسبب أو مشارك في أحداث عنف حتى لو وصلت إلى مستوى خطير كإطلاق النار في حرم جامعي أو مدرسي . في هذه الحالة يجب اعتبار ما حدث خرقاً للأمن الوطني برمته، وليس مجرد حدث ينحصر في داخل المؤسسة التعليمية.

وبالحديث مع طالب في الصف السابع في إحدى المدارس الخاصة في العاصمة عمان تعرض للتنمر من زملائه.

وسؤاله عن سبب المضايقات التي يتعرض لها ؟

يقول …
أغلب المشاجرات تبدأ بسبب سخيف ، أحياناً نتشاجر فقط لأجل اللعب في حصة فراغ أو حصة رياضة أو استراحة الغداء ولا يقصدون في البداية ضربي أو توبيخي ، لكن ما أن يبدأ الشجار حتى يتجمع حولي عدة طلبة منهم من أبناء صفي وآخرون لا أعلم من هم، ويبدأون بالضرب والشتم والتصوير والتهديد بنشر الصور إذا تقدمت بشكوى بحقهم للإداة أو لأهلي.
في البداية كنت أشعر بالخوف منهم ولكن قررت أن أخبر والدي بما يحدث معي ، وبدوره أعلم الإدارة واستطاعوا من خلال كاميرات المراقبة أن يشاهدوهم وهم يضربوني، وتم استدعاء ذويهم ولم يتعرضوا لي بالضرب منذ ذاك الوقت، ويقتصر الأمر الآن على الشتم والسخرية والاستفزاز .
وما زلت أحاول أن أركز في دراستي وأهمش تصرفاتهم ولكن للحقيقة هذا الأمر يؤثر على ادائي بشكل ملموس ، أتمنى أن أنهي مرحلة الدراسة بأقرب وقت ممكن لأني لم أعد أرغب في الذهاب إلى المدرسة كالسابق .

ما زالت هذه ” التصرفات الفردية” التي شهدتها المؤسسات التعليمية في الأردن تقتصر على بعض ما تم ذكره، لكن وفي ظل هذا الصمت المؤسساتي وتهميش هذه القضية ،هل سيبقى واقع أزمة التربية والتعليم مقتصر على عدة حوادث فقط ؟ نوجه هذا السؤال لوزارة التربية والتعليم

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى