
فشل دمج المؤسسات؟
مر أكثر من خمس سنوات على خطة إعادة الهيكلة التي نفذتها حكومة البخيت الثانية، والتي تقضي بدمج المؤسسات والهيئات المستقلة، لإعادة فاعليتها وضبط الهدر المالي وزيادة إنتاجيتها.
مشروع إعادة الهيكلة الذي بات واحدا من اكبر مشاريع “الفساد الاداري” في تاريخ الدولة الاردنية، بعد ان قفزت كلفه من 82 مليون دينار كان مقدرا لها، لتبلغ اليوم أكثر من 420 مليون دينارا، “والحبل على الجرار”، دون أن تحقق أدنى هدف في الإصلاح الاداري وتطوير العاملين في القطاع العام، بل على العكس تماما ادت الى تدهور وظيفي كبير في الاجهزة والوزارات المختلفة، بدليل أن جائزة الملك عبد الله الثاني للتميز كانت ادارتها العليا تفكر في الغاء الجائزة المخصصة للمؤسسات والوزارات الرسمية بسبب عدم تأهل أي منها للحد الادنى المطلوب.
الشق الثاني من الخطة متعلق بدمج المؤسسات، وبات واضحا انه لم تظهر نتائجها على ارض الواقع، وان الدمج الحاصل في بعض الهيئات هو صوري لا اكثر كما هو الحال في هيئة الاستثمار.
في الواقع، شكلت المؤسسات والهيئات المستقلة في السنوات الاخيرة إحدى أبرز ملامح الهدر المالي للدولة، وساهمت بشكل أو بآخر في تنامي العجز وزيادة المديونية، لذلك كانت الاصوات تعلو على الدوام لتقييم تلك الوحدات التي لغاية يومنا هذا لم يتم أي تمحيص في أنشطتها.
منذ سنوات والجميع ينادي بدمج تلك المؤسسات المستقلة والعودة إلى واقعها الطبيعي، فقد كانت في 2003 لاتتجاوز 35 مؤسسة، تدر فائضا سنويا على الخزينة بحوالي 126 مليون دينار، لكن الغريب انها ارتفعت الى 65 مؤسسة بانفاق يبلغ ملياري دينار وعجز يقترب من نصف مليار ومديونية ضعف هذا الرقم تقريبا، والرقم الكلي يدور اليوم حول 56 مؤسسة.
المطالبة بإلغاء ودمج تلك المؤسسات لا يأتي فقط لمجرد هذا الشعار، فالمتابعون لمسيرة بعض تلك الوحدات يرون فيها هدرا للمال العام ومظهرا من مظاهر البذخ في الانفاق غير الرشيد الذي اصاب جسم الدولة المالي في السنوات الاخيرة.
هذه المسألة معقدة للغاية، خاصة في هذه الفترة التي يغيب فيها عن المشهد السياسي مجلس النواب صاحب الولاية في الغاء القوانين والتشريعات المنظمة لعمل تلك المؤسسات والوحدات المستقلة، التي هي اصلا تم تأسيسها في السابق بموجب قوانين مؤقتة ثم اقرها مجلس النواب واكتسبت صفة الديمومة.
دمج المؤسسات المستقلة اليوم يحتاج الى خطوات ادارية ومحاسبية قبل الشروع به، فالامر يحتاج من الحكومة تقييم فعلي باتجاهين مالي وفني لاداء تلك الوحدات، وهذا سبب مهم وحيوي يدل على ان الكثير من تلك المؤسسات لعبت دورا فوقيا في الصلاحيات تجاوزت فيه وزارات بعينها لا بل البعض منها تحول الى جزر معزولة في القرارات والتي كان الكثير منها متجاوزا على قرارات مجلس الوزراء ذاته.
من الاسباب الاخرى للدمج هو الضبط المالي والانفاق غير الرشيد الذي مارسته بعض الوحدات، والتي حرمت الخزينة من عائداتها وباشرت باتخاذ قرارات مالية ادت الى ارهاق موازناتها وانعكس ذلك على الموازنة العامة التي تحملت فيما بعد تلك الاعباء ومصاريف وانفاق تلك الوحدات التي لم تعد مستقلة ماليا.
لكن السؤال الاهم: ماذا بالنسبة للعاملين في تلك المؤسسات؟ هل سيبقون في مناصبهم؟، ام هل سينتقلون الى المؤسسات الجديدة بعد الدمج ليضافوا الى الاعداد الكبيرة في المؤسسات والوزارات العامة؟.