جَنّاعة الزرقاءْ ومكَبُّ الفقراءْ

جَنّاعة الزرقاءْ ومكَبُّ الفقراءْ
د. جودت سرسك

وأنتَ تُعدّ خبزك فكِّرْ بغيرك, وأنت تنظرُ لمائدتك لا تنسَ قوتَ الحمَام ,وأنتَ تخوضُ حروبَكَ مِنْ أجلِ الطعام, فكِّر بالسلامْ ,فكّر بطابور المحرومين في جنّاعة .وكأنّ الشاعر الملهَم محمود درويش يغنّي للجوعي ولهم ويُخبرنا أنّ جوعهم لعنةٌ تحلّ على مائدتنا لتصبح خالية من الأومليتْ والزبدة والمربى العنبي والخبز الفرنسي كمّا حلّتْ لعنةُ المتسوبيشي لانسر على عموم السيارات والطرق الداخلية والخارجية . وأنت تسدّد فاتورة الماء فكّر بجنّاعة وأخواتها الذين يرضعون الغمام ,لا يخالط شكٌّ مَنْ تأخذه قدماه خطأً لزيارة تلك البقعة المكتظة أنها مدينة الفقراء والتنوّع ومسجدها وكنيستها يشهدان بمكبرات الصوت على أنين المُعدمين والمحرومين ممّن يعتاشون على بيع عصافير الحب والكنار والبط والبيض في سوق الطيور يوم الجمعة ونعتاش على قوتهم لنترك لهم ماتبقى من مائدتنا ,وأنت تنام ببيتك وتحصي النجومَ,فكّر بغيرك في جنّاعةَ ,فثمّة مَن لم يجِد حيّزاً للمنام .
ثمّة من يعيب على المواطن لبسه كمّامة والعناء في البحث عنها وكأنه يتشبث بالحياة ويتحدى عناءها فهل يعيش المواطن حقاً عيشاً كريماً يحرص على استمراره أم أنّ باطن الأرض خيرٌ من ظاهرها .إنّ بعض التجمّعات السكانية المعدمة التي تخلو من المشاريع الاستثمارية وتشغيل الشباب لا تجد ما يسدّ رمقها ويستوى لهم الفم المكمّم والفم العاري وقد يعدّونه غطاءَ وجهٍ لا يليقُ بالرجال .إنّ من لا يجد ماءه لا يُطالب بالطهارة ولا يُلام إن اشتممتَ منه ريحَ العوَز والتشرد والتعطّل عن العمل . وأنت َ تُحرّرُ نفسك بالاستعارات والكلام المنمّقِ والمؤتمرات الصحفيةِ فكّر بغيرك من فقدوا حقّهم بالكلام . إن مشاهد تكسّرِ باصات الخبزِ والاعتداء على الباصات التي تحملُ الأمل وتحدّي منظومة الوطن ولُحمَته ورجال البلدية والأمن هو اعتداءٌ على الفقر وانسداد الأفق وجوع عيالهم . إن في جنّاعة منظومات من العائلات المتسلسلة يعمل جُلّ أفرادهم بالنجارة والحدادة والبيع المفرّق على البسطات والأرصفة ومحلات الفول والحمّص وأجهزة الصيانة والخلويات ومحلّات الملابس في محافظتهم الأم وأختها الكبرى عمّان تقطّعت بهم الأرزاق فمن يرزقهم ؟؟ .
وأنت تفكّر بالآخرين , فكّر بنفسك ,قُل : ليتني شمعةٌ في الظلام . إنّ هذا الوطن نبراس ومشعلُ نورٍ لا ينطفي إنِ انحسر منه المتاجرون والنُخّاس واللصوص ,إنّ من يثور على الكمامة وباص توزيع الخبز ليسَ يُشبعُه إلا الكرامةُ وأمانُ أطفاله لا ربطةَ خُبزٍ استدان ثمنها من موسرٍ يملك ثمن ربطتي خبزٍ فتقاسموها .
وأنت تشعلُ سيجارتك الواحدةَ تلو الأخرى فكّر بأن ثمنها في نهاية النهار قوت عائلة أو اثنتين مستورتين في جنّاعة,وأنتِ تجوبين البقالات والشوارعَ بيانسِ الصلاة أو الجينز مثني الساقين تبحثين عن علب السجائر وأوقية معسّل مزايا فكّري بغيرك ممّن لا تجدُ ثمن حفاظات بيتها , إنّ من لا يجد أمان أطفاله فيصرخ في وجه الباص المتجوّل برفقة رجال الأمن لا ينظر لهم إلا كعدوّ يأمرهم بالاصطفاف في طابور العبودية ولا يعيرون كلامه عن النظام والالتزام وبعد المسافات بين مصطفٍ وآخر إلا كما يُعير طالبُ الحمّام الذي يأكله المغص ُ اهتمامه لمن يستوقفه ليسأله عن عنوان صالةِ أفراح. قد يتعجّل أفراد الحكومة المهذبين( الكول) ويشعرون بالضجر من اختراق شرذمةٍ من أهل جنّاعة وأخواتها للحظر المفروض ويشيعون بينهم همزات وغمزات على أنهم شعبُ القلّة والفوضى ولا حلّ سوى أن يُتركوا ومصيرهم فمن مات مات ومن عاش عاش والله لا يردهم . إنّ هذه القلّة يا قوم تنظر لنا على أننا صاحب المتسوبيشي لانسَر ومن برفقته ولا يعيرون ما نقول اهتماماً ولا حل سوى بتغييبهم قصريا عبر ارسال بطانيات لهم مغروسة بفيروس الجدري لإبادتهم كما فعل الأمريكي الكول المتحضر مع الهنود الحُمُر.
ولا يخلو المشهدُ من بعضِ الضحك : كلّه كوم والأردني اللي حامل علبة زيت وزعتر ورايح على المخبز كوم.
وأنت تتقاضى راتبك مرتاحاً ببيتك تشكو الضجر, فكّر بغيرك ممّن لا يعرف طعم النوم ولا الأمان الاجتماعي ويسمع أصوات مِعَدِ أطفاله من في البرّ والحضرْ.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى