تزييف الوعي / أحمد المثاني

تزييف الوعي

منذ أن نودع طفولتنا الحالمة ، التي تتميز بالخيال الواسع ، و حين نفتح أعيننا على العالم الخارجي ،
فأول ما نصحح فيه فهمنا ، أن أبي ليس أقوى رجل في العالم .. و أن الحليب الذي نشربه يأتينا
من البقرة .. و أن البيضة مصدرها الدجاجة .. و ليس الرف في السوبرماركت ..

و هكذا يصطدم وعينا بحقائق الأشياء .. و الشخوص الذين هم من حولنا .. و من خلال
المؤثرات المختلفة في عالمنا ، يتوسع وعينا
بأنفسنا .. و وعينا بالعالم الخارجي من حولنا
، لنستشعر أننا لسنا الوحيدين في هذه الدنيا ..
و لا بد أن نخرج من دائرة الذات .. و التمركز حول
أنفسنا .. و أنانيتنا .. تماما كالصوص الذي يظن
أن البيضة التي هو فيها هي نهاية العالم ..
حتى إذا خرج من القشرة .. أخذته هزة الوعي
بأن الدنيا اوسع من حدود قشرته ..

.. لكن ، كلما كبرنا ، و عركتنا هذه الدنيا ،
بتجاربها الحلوة و المرة . و في مراحل نمونا
و لعبنا الادوار في مجتمعنا .. ازداد وعينا
وعينا بأنفسنا .. و وعينا بالعالم الخارجي ..
إلا أنه من المؤسف ، أن كثيرا منا يبقى سجين
” قشرته” . . فيظن أنه مركز العالم .. و أنه
الإنسان الأوحد .. و هو الأقدر .. و الأفهم .. و الأجمل .. و هو بهذا أسير أنانيته و نرجسيته
المفرطة .. فيعمى عن عالمه .. و لا يصحو إلا
أن يصدم بصخرة الواقع .. علها تعيد إليه
شيئا من رشده ..

مقالات ذات صلة

في حياتنا ثمة من يمتاز بسعة و صدق وعيه ،
و ثمة من يزيف الوعي ..
– فالمعلم الذي يشعر الطلبة ، أنه يعرف كل شيء
و أنه مصدر المعرفة ، و مالكها .. و أن لديه جوابا عن كل سؤال .. يزيف وعي الطلبة .. ليكتشفوا
أن المعلم قد خدعهم ،، فهذه الوسائل الحديثة ،
فضلا عن الكتب و المراجع القديمة .. أوسع و أسرع .. و لربما أصوب من معرفة معلمهم ..

– و السياسي و القائد الذي يشعرك بموهبته
الخارقة في تحليل الأحداث .. و يرسخ في
وعيك .. أن كسب المعارك لا يحتاج إلى أكثر
من تعبئة و أغان و أناشيد حماسية .. يزيف
وعي الشعب .. حينما يكتشفون أسرار
و طبيعة الحروب الحديثة ..

– و رجال التوجيه الديني ، حين يركزون على
مظاهر الدين و ليس مقاصده .. و حين
يحصرون خطبهم و مواعظهم على صغائر
الأمور و يتجاهلون أركان العقيدة .. و أهمية
العمل .. العمل و المعاملة .. فهم بذلك يزيفون
الوعي الديني ..

– و المصلحون الاجتماعيون حينما يركزون على جانب واحد من قضايا المجتمع .. كالجانب
المادي .. و يتناسون البعد الأخلاقي و التربوي
و حينما يعزون الفساد لعنصر واحد ، يحملونه
الإثم و المسؤولية .. كالتركيز على سوء التعليم
او إهمال الأسرة .. دون أن يتنبهوا و ان ينبهوا
لدور مؤسسة الإعلام .. و التربية الخارجية الموازية .. فهم حينهذا يزيفون الوعي ..

– أما الإعلام .. فهو الأقدر على غسل الأدمغة
و تزييف الوعي .. بنفس احترافية تزييف العملة .
و ذلك بما يملكه الاعلام من وسائل حديثة مغرية
تستميل العواطف .. و الأفكار ..
بالصوت و الصورة و المؤثرات المصاحبة يستطيع
الإعلام أن يقلب مفاهيمنا .. و ينقض ما استقر من
أفكارنا .. و مبادئنا .. إنه ساحر هذا العصر
و أبرع و أكذب من سحرة موسى ..
و هو الذي يستطيع أن يسلبنا وعينا .. او أن
يزيفه ..
لعلي لا أجانب الصواب إذا قلت انظروا ما
تفعله الفضائيات و الميديا الحديثة بالناس ..
ينامون على حب شيء أو شخص و يصبحون على
كراهيته .. او حد تخوينه .. و هكذا ..
و انظروا كيف تزيف الاعلانات حقائق الأشياء
و الخدمات .. و لا نصحو الا بعد فوات الأوان
و بعد الندامة و الخسران .

لا تسلم عقلك .. و لا ترهن فكرك ..
و افتح عينيك على الكون .. و حافظ على وعيك

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى