
السجون الأردنية ….. آخر القول
تمضي أيام ” الكرك” رتيبة هادئة ، تنسلخ ساعات النهار سريعة بلا معنى ، ينشغل أغلب المساجين بمواضيع صغيرة ، وعادة ما يغرقون في عالم ذاتي صامت . توثقت علاقتي بعمر ، صموت هادئ ، وسيم التقاطيع ، في صدره عالم كبير من الأسرار . عمر لم يتلق تعليما ، ويبدو أن تعقيدات البيئة الاجتماعية جرفته في دروب بعيدة ، توغل فيما لا يجب ، ودفع أثمانا باهظة . كل حوار حاولته معه كان ينتهي بحائط مسدود ، وصمت قاهر ، ولحظة يأس غالبة .
اعتاد المساجين الصلاة ، يقرأ الإمام ما تيسر ، ويحرف كثيرا فيما يقرأ ، فتغدو ” ليبلوكم ” ” ليبليكم ” ، إعادة التوازن والاستقرار ضرورية للجميع . صبي “إمامنا” الثاني جاء وقت سجنه ، أسماه يوسف ، زوجته في الانتظار ، أجرة البيت متراكمة ، الديون متراكمة ، وثمة تحد جديد إن تيسر الخروج .
كانت أياما صعبة ، قمينة أن يعيد الأنسان نظره ، فليس كل ما هو قائم حقيقة وطاهر . إرادة الإنسان غلابة إن تسلحت بالوعي والإيمان . ودورة الحياة مستمرة ، لا تنتهي عند أحد أو موقف ، والعبرة دوما بالخواتيم . يبقى أمر أخير من الضروري الإشارة إليه ، مسؤولية السلطة السياسية فيما يحدث ، توفير فرص العمل ، استحداث برامج لتحقيق الأمن الاقتصادي والاجتماعي ، وقبل ذلك محاربة الوساطة والمحسوبية ، وتطبيق قواعد العدالة والنزاهة ، مع كامل الشفافية الإعلامية . قاربنا واحد ، ولا مجال لإن يعبث فيه أحد بالخرق أو ” الهوى ” .
غادرت سجن الكرك ، تركتهم خلفي ، أرباب أسر ، ينتظرون لحظة فرج . والفرج قريب ، أقله قرار حكيم بالعفو . نحن على مشارف عيد ، ومكة توشك ان تحتضن الجموع ، والشجاعة ان نحيل القوة الى طاقة ايجابية تتسامح وترتقي وتعفو .


