الإرتقاء الى الدين أم الرجوع إليه / د. هاشم غرايبه

الإرتقاء الى الدين أم الرجوع إليه

في زمن الإنهزام، يبحث الناس بلهفة عن طوق النجاة، فتهرب عيونهم من المستقبل الغامض الى التنقيب في الماضي المكشوف، فتتعلق بالفترات المضيئة الغابرة،أملا باستعادتها.
من هنا جاءت العبارة ” لا حل إلا في عودتنا الى ديننا”، التي لا يجد الناس في غيرها وصفة للخروج من حالة الإندحار التي نعيشها، ولا ينتبهون الى خطئهم غير المقصود: فكلمة العودة تعني رجوعا الى الخلف زمنيا أو نزولا إليه من إرتقاء.
الأصح القول الإرتقاء نحو الدين، أي التقدم بفهمنا نحوه والإقتراب الى مستواه، ورغم أن بعض الناس سيعتبر أن ذلك مجرد تلاعب بالكلمات فقط لأن المقصد واحد، إلا أنني سأبين تاليا ما لذلك من فارق بنيوي في صياغة الحل المنشود.
تفسير القول الأول (العودة الى الدين) يقصد به استعادة الحالة التي حولت العرب من أمة هامشية في سباق الحضارات البشرية الى أمة ريادية سابقة لغيرها.
منطقيا، ذلك غير ممكن بسبب اختلاف الظروف المحيطة بتلك الحالة عن الحالة الراهنة، فلكل زمن متعلقاته الظرفية، ولا يمكن تكرار التجربة بالإستنساخ، بل بفهم العوامل التي أدت الى نجاحها، وأسلوب التعامل مع المعيقات والصعوبات في ذلك الزمن، والخروج بطروحات وحلول جديدة كليا.
إن مقولة مالك بن أنس رحمه الله: “لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها” صحيحة منهجيا، لكن ليس بنقل التجربة بحرفيتها (القص واللصق).
لقد كان صلاح الأمة ونجاحها بسبب توحدها تحت قيادة مخلصة واتباع المنهج الصحيح على مستوى الحاكم والشعب، ولم تكن بسبب الزهد في الدنيا والتفرغ للعبادة ولا بالإكثار من النوافل في الصلاة والصوم، فتلك مظاهر للتدين تنفع المرء شخصيا بكسب الأجر من الله.
قد يكون العجز عن اجتراح الحلول الصحيحة أو التهرب من المسؤولية التي ترتب عليهم كلفا عالية وتضحيات جسيمة لتنفيذ المهام الصعبة، هي وراء ركض هؤلاء الى الحلول السهلة، مثل الإستغراق في العبادات والإلتجاء الى الدعاء بقصم العدو بدلا من الجهاد، ونسج الروايات الخيالية مثل قصة ان أحد الحصون استعصى فتحه على الجيش الإسلامي ، فبحث القائد سبب ذلك فوجد أن الجنود لا يستاكون، فوزع عليهم سواكا لكل واحد فاستعملوه وفي اليوم التالي فتح الحصن أمامهم.
إذاً، فليس الحل في العودة الى الماضي وتقليد مظاهر السلف ونمط معيشتهم، بل بفهم كيف كيف ارتقى فهمهم الصحيح لضرورات مرحلتهم تلك الى التقدم، والفارق لصالحنا فلدينا تجربتهم وقصة نجاح المنهج القويم بالإرتقاء بهم، في حين لم تكن لديهم خبرات سابقة، ولا معرفة بتجارب الأمم الأخرى، ورغم ذلك كان نجاحهم باهراً. هكذا نصل إلى أنه لا يمكن بدء التغيير المنشود بغير نهضة فكرية تنطلق من المنهج الإلهي وتستوعب المتغيرات التاريخية، لكن أمامها تحديان:
1- بعد فشل كل محاولات البحث عن النهضة بمناهج بديلة طوال القرن المنصرم، يجب التوقف عن ذلك نهائيا، والإقرار بأن المنهج الإسلامي هو الطريق الأصح، ومن لا زال غير مؤمن بذلك، فلا أقل من أن يتنحى جانبا، فلا يعيق حركة المتحمسين له.
2- في داخل أروقة التيار الإسلامي المتشعبة، من لا يمكنه المساهمة في هذه النهضة بفكر تجديدي تطبيقي، ليبقَ في نهجه القائم على إطاعة ولي الأمر والدعاء له، والإكتفاء بالوعظ لإصلاح الناس فرديا دون المجتمعي، وليترك المفكرين المصلحين في عملهم، فلا ضرر ولا ضرار.
إن تم حسم هذين التحديين، لا يبقى من ذريعة لدى المفكرين الربانيين الذين قيضهم الله لهذا الزمان، لكي يشمروا عن ساعد الجد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى