ازمة سيول و ازمة وزراء / عبد الفتاح طوقان

ازمة سيول و ازمة وزراء

السيول التي جرفت الطرق والناس أظهرت العفن وسمحت للحكومة الاردنية في توجيه الأنظار عن القضايا الاستراتيجية، ومعها خلقت نوعا من الامتعاض خصوصا مع تقاعس الحكومة وغياب وزير الداخلية والاشغال والشؤون الاجتماعية والسياحة عن مناطق الفيضانات المنكوبة لحظتها حسبما تقتضي الأمور لتنسيق إجراءات الإنقاذ وضمان حماية السكان وممتلكاتهم والسياح الاجانب.

لقد كان واضحا للمتابع بطء رد فعل السلطات على التعامل مع اثار الفيضانات، وظهر مرة اخري مشهد الارتباك والعجز والغش في كلا من الإنقاذ والانشاءات من خلال الصور والفيديوهات التي التقطها العامة لما حدث.

السيول جارفة والطقس شديد والامطار غير عادية، وإمكانيات الأردن محدودة، لكن في العادة التصميم يضع في الاعتبار دراسة ١٠٠ عام سابقة من الأحوال الجوية السائدة و١٠٠ عام قادمة لسلامة الإنشاءات، ورغم ان الأردن وضع ٥٠ عاما عوضا عن ١٠٠ عاما لتصميم العبارات والجسور ولم يلتزم بالحد الأدنى حسبما أظهرت نتائج السيول في تعاملها مع البنية التحتية، الا انه يبقي التقصير وعدم الالتزام بالمواصفات واضحا للعيان، وهو ما يستلزم المحاسبة خصوصا وان اغلب المشاريع قروض واجبة السداد.

وأتساءل الي متي هذا الهرج والاستهتار واستخدام نظام الفزعات من الجيش وسلاح الجو والامن العام، لماذا ” دوما فزعة بدع فزعة ثم نقد الذات وجدلها دون دروس مستفادة “، ولماذا ليس هناك خطط مسبقة ومعروفة ومدروسة ؟، هل تسير الدولة الي الامام ام تتراجع الي الخلف، حيث يبدو أن الدولة الأردنية تراجعت عن جاهزيتها التي عرفت بها مسبقا.

ثم كيف لم يتم تنبيه السياح مسبقا لحالة الطقس وقامت الوزارة المعنية بأغلاق البتراء ووادي موسي وتجهيز حافلات سياحية امنه لنقل السياح وتأمينهم في فنادق اخري؟، حيث اكتفت الحكومة بالحديث لاحقا عن اخلاء أربعة الاف سائح “بنظرية حكومة سوبرمان ” بينما اظهرت الصور انهم نقلوا في سيارات “بكب اب” وكأنهم عائدون من قطف الزيتون؟، تضارب في الفكر وغياب الرؤية عن تجهيز الدولة للتعامل مع السياح وتأمنيهم في حالات الطوارئ؟

الدولة تسير بنظرية “بركة يا جامع” و “الفزعة من الأهالي “.

واود ان اذكر هنا، ان كان هناك في الثمانينات خطة شاركت مع زملاء لي في دراستها ووضعها اسمها ” القدس” لمواجهة الازمات وتم الاتفاق الالزامي مع كل المقاولين المحليين على دمجهم مع القوات المسلحة في حالة أي طارئ واستخدام الياتهم ” مجانا” في مثل تلك الحالات بالإضافة الي اليات القوات المسلحة، وكان هناك لجنة فنية عسكرية عليا تتشارك مع الوزارات لمواجهة الحالات الطارئة. فأني هي بعد أربعين عاما؟، ولماذا نري الشكر هنا وهناك لمقاول أرسل الية او قدم خدمات في وقت ان ذلك واجب وطني متفق عليه مسبقا مثل الدول الحضارية؟، متي نتخلص من الفردية والانانية؟

في الحقيقة استغرب لما يجري حيث تتقاعس الحكومة في تحقيق حماية المواطنين وأهدافهم في الوقت الذي تسعي جاهدة للوجود والاستمرار في السلطة دون مسائلة او محاسبة وتحميل الأخطاء على الغير، وأكبر دليل عدم تقديم وزيرة السياحة والتربية والتعليم الي النيابة في حادثة مقتل الأطفال من أسبوعين بينما تم حبس مديرة المدرسة التي فقدت ابنتها في نفس الحادثة المأساوية، فأين القانون واين العدل؟.

ولعل من الضروري بعد أن تبين التقصير التام من وزارة الاشغال و البلديات للحفاظ علي الطرق و الجسور وصيانتهما و ظهر للعامة أن البنية التحتية في أنحاء المملكة تعانى من تدهور وإهمال شديدين، وغابت عنها الصيانة والتطوير والتجديد المستمرين، و لم تعد لتتناسب مع الضغط الزائد عليها، نظرا لتبعات الزيادة السكانية وزيادة نسبة المباني،و تضارب الاختصاصات بين الوزارات وغياب التنسيق وازدياد معدلات البيروقراطية ان يتم .
انشاء وزارة متخصصة للمرافق العامة والبنية التحتية.

ولعل أيضا من ادبيات العمل السياسي ان يستقيل كل من وزير البلديات والاشغال والداخلية، وان يتبعوا نهج وزير الأشغال الكويتي، حسام الرومي، الجمعة 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، والذي قدم استقالته من منصبه؛ على خلفية فيضانات في الكويت مثل تلك التي شهدتها البلاد، قبل أيام.
.
حيث قال الرومي، في بيان: «انطلاقاً من مسؤوليتي الأدبية، وتعزيزاً للنهج الذي اختطّه سمو رئيس مجلس الوزراء، في تحمّل تبعات المسؤولية الجسيمة التي تتحملها الحكومة، فقد تقدمت باستقالتي إلى الرئيس. انتهي الاقتباس

هكذا هم المهندسون الحقيقيون وليس هؤلاء من يحملون شهادة تفيد التحاقهم وتخرجهم من جامعات هندسية، هنالك فرق.

الوزير الكويتي هو من نوعية الرجال الشرفاء والساسة العظماء رغم انه حديث المنصب ولكنه يري ان العمل الوزاري تراكمي وتحمل المسؤولية متوالية، لذلك يحترم وترفع له القبعة».

عدد الوفيات المعلن عنها حتى الان ١٤ ولم يتم حصر الممتلكات المتضررة والخسائر في الطرق والبنية التحتية، والامطار علي الطريق والأردن يعيش ازمة سيول و ازمة وزراء.

ما بعد العاصفة، الأردن بحاجة الي وزارة للمرافق العامة والبنية التحتية.

aftoukan@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى