لماذا يتعاطفون مع اردوغان ؟ / د خالد غرايبه

لماذا يتعاطفون مع اردوغان ؟
سألني احد الاصدقاء الاتراك مرة: ما هي نظرة الاردنيين لتركيا. قلت له، ان ما ورثناه ممن شهدوا حكم الاتراك لبلادنا هو ان الدولة العثمانية اثقلت شعبنا بالضرائب واخذت ابناءنا للحرب وقطعت اشجارنا لتسيير قطارها ولم توفر لنا تعليما او صحة او خدمات. ثم سألته: وكيف هي نظرة الاتراك الينا؟ فقال لي نحن ننظر اليكم كخونه، تعاونتم مع الانجليز ضد حكم الخلافة. قلت له: شكرا لك ولكننا لم نصل لمستوى خيانتكم انتم عندما خلعتم خليفة المسلمين ودرتم في فلك الغرب وادرتم ظهركم لمسؤولياتكم تجاه رعايا دولتكم من العرب.

الان وانا اتذكر ذلك الحديث ادرك انه من اصعب الاشياء ان نحكم على التاريخ لان حكمنا لن يكون موضوعيا ابدا وهذه اشكالية علمية قديمة حتى عند الباحثين في علم التاريخ. اذ ان البحث في الحقيقة التاريخية والاحداث التاريخية هو مسألة معقدة جدا يبلغ تعقيدها نفس مستوى تعقيد الانسان نفسه.

ولكن وبالرغم من كل اشكاليات تاريخنا المشترك مع الاتراك فان التعاطف الحاصل مع اردوغان في الشارع العربي له ما يبرره فقد خلق اردوغان حالة فريده ونموذجا مبدعا للدولة المسلمة (وليس الاسلامية) ذات الاقتصاد القوي والموقع المتقدم بين الدول تجعل المسلمين في كل اصقاع الارض يتوقون الى حاكم مثله في الوقت التي اثبتت اغلب الحكومات العربية فشلها في جلب الرفاهية لشعوبها وعاثت في اوطانها فسادا.

قد يغمز البعض من قناته بعلاقته باسرائيل وفي ذلك ظلم له فالرجل رجل سياسة اولا واخيرا ويضع مصالح بلده نصب عينيه وعليه ان يتعامل مع كل دول العالم ما دام في ذلك مصلحة لبلاده في الوقت الذي يقدم فيه حكام العرب التطبيع كهدية للكيان الغاصب وبدون مقابل.

وقد يغمز البعض الاخر من قناته بأنه يسعى لاعادة الخلافة العثمانية وتحقيق طموح باعادة امجادها وحكم بلاد العرب وهذا ايضا يجانب الصواب برأيي لأن الوضع الدولي الحالي لن يسمح بذلك ولا اعتقد انه من الغباء لمحاولة التفكير في الحاق دول فاشله كالدول العربية بتركيا الناجحة على كل المستويات.

وقد يغمز اخرون من التزامه بعلمانية الدولة وهذه اشكالية فكرية كبيره لأن مفهوم العلمانية يفهم في العالم على اكثر من وجه ويطبق على اوجه كثيرة ايضا. وبرأيي فإن اردوغان كان افضل من فهمها و تعامل معها حيث اثبت للعالم الاسلامي اجمع ان علمانية الدولة لا تتعارض مع اسلامية الشعب وحرية معتقده وشعوره الديني ففي الوقت الذي يلتزم الجميع فيه بعلمانية الدولة تصدح مآذن استانبول ويركع الملايين في ميادينها.

التعاطف مع اردوغان مشروع، على الاقل في الوقت الحالي، فهو بالمنطق البسيط النموذج النهضوي الناجح في منطقتنا التي تشتعل بالفشل الذريع لانظمة عربية قادت شعوبها الى الهلاك ومن ينكر ذلك التعاطف على الشعوب العربية فهو اما متحيز للانظمة العربية التي تشعر بالغيرة من انجازاته او انه لا يفكر بمنطق.

ليخرج الينا من الانظمة العربية من يستطيع ان يعمل ما عمله اردوغان ومن هو بأخلاق اردوغان وسيجد شعوب العرب كلها تسير خلفه.

ودمتم

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى