قاضي وقضاء / منصور ضيف الله

قاضي وقضاء ….

أحيانا يجد الأنسان نفسه في مساحات غير متوقعه ، أو يقوم بمهمات لم تكن بالحسبان ، وعلى الأغلب تكون الفائدة للمستضعفين ، والفقراء ، والمهمشين . هي إذن إرادة الله وحكمته في التوازن والعدل ونفاذ قدره . أمس في محكمة جنوب عمان ينجز القاضي المعاملة سريعا ، ولكن يتيه الملف على طاولة جانبية ، والمراجع يجلس ساعات في الانتظار ، ثمة عجوز معه خارج المحكمة ، وحاجات العجائز كثيرة . الجميع تقريبا يغادر ، والمراجع في الانتظار ، وعندما يطفح الكيل يستأذن المراجع القاضي بسؤال . كانت الاستجابة سريعة ، ولكن الملف ضائع ، والوقت يدهم الجميع . مرة أخرى يدخل ، ويصدم إذ يكتشف ملفه – وقد أنجز منذ زمن – على الطاولة المجاورة ، لم يلتفت إليه أحد، ساعات طويلة تبخرت كغيمة صيف ، وعذاب العجوز مجرد نكتة عابرة !! والملف هناك . الساعي يعاني من ضغط في العمل ، اﻻمر عادي ، الملف يتيه ساعات أمر عادي ، ولكن غير العادي أن ينفعل القاضي بصورة مفاجئة لأن يقول المراجع : أنا ظلمت ، وقد ظلم . مجرد الاعتراض على ساعات الانتظار جريمة ، ووقتها يهدد بالحبس . بالعقوبة المانعة للحرية . لست ألوم أحدا ، ولكني أسأل : هل يجوز للغضبان ان يصدر حكما ؟ ألا يفترض فيمن يجلس للقضاء او الإفتاء أن يكون ذا روية ؟ ثم ليسمح لي القارىء أن أضيف عبارة قديمة قرأتها في صدر مكتبة الجامعة الاردنية : اذا استخدم الإنسان اخر الحلول في أبسط المسائل فماذا يتبقى له في أصعبها ؟؟؟

معلم ….

يشد رحاله لتجديد التأمين الصحي ، كل ما يملكه اثنا عشر دينارا وعشرون قرشا ، تنهي الموظفة المعاملة بسرعة ، و تطالبه بدفع الرسوم : اثني عشر دينارا وخمسة وسبعين قرشا ، يحتار المسكين ويبتلع ريقه ، بغريزة الأنثى تلحظ الإرباك ، وتتدارك الموقف : كم تملك؟ اثنا عشر دينارا . هاتها . تدفع من جيبها الفرق ، ثمة ابتسامة حزينة تغزو وجهها ، وأسئلة حيرى تتقافز في عينيها .

مقالات ذات صلة

في الخارج هواء مشبع بشمس شباط ! حرية تبحث عن عشاق ، مساحات تحن إلى خبطات أقدامهم ، ومدرسة أبو علندا الثانوية بعيدة ، وطلاب الأول ثانوي في انتظار حصتين ، والعشرون قرشا ، اللعنة عليها ، هي كل غنيمة الدنيا .

تقطعه المسافات ، وتشويه الأفكار ، التأمين ، موعد الغد لدى الأخصائي في مشفى الجامعة ، هرير المدير عن كل تأخير ، العقوبة المضاعفة التي منحها أياه مدير التربية ، فقط لأنه نطق بالحق يوم صمت الاخرون !

على قارعة الطريق يفترش الأرض ، دوار خفيف ، بقايا صور ، عبد الرحمن منيف ، حنا مينا ، يوسف إدريس ، غسان كنفاني ، غالب هلسه ، تلتف كفان مرتعشتان على الوجه ، تغيب الدنيا ، وينخرط في بكاء مكتوم !!!

مجرد رقم وطني ….

يحمل على كتفه الأيسر شوال بلاستيك ، وفي الأخرى علبة فيفا فارغة ! يغذ الخطى بحثا عن بقايا مهملات أهل النعمة ، يأخذه الإعياء ، ويضنيه الضياع ، استوقفته ، الأخ أردني ؟ نعم . هل تملك رقما وطنيا ؟ بالتأكيد . اسمك ؟ محمد من منطقة القويسمة . لو سمحت كم يدر عليك عملك ؟ خمسة دنانير ربما ستة ، وفي الحد الأعلى سبعة .

محمد يبلغ الثالثة والثلاثين ، منذ الصباح يخرج مع شواله ، يذرع حواري عمان ، ويمسح قصورها ! يبحث عن رغيف خبزه بين القمامة . لم يتزوج ، وعلى الأرجح سيظل عازبا ، يحلم ببيت ، بإنثى ، بلحظة استقرار . ترى ، لو نطق محمد ، هل يكفيه مداد البحر ؟ وتسعفه لغات البر ؟

للأخوين رحباني : عاصي ومنصور ….

من عز النوم بتسرقني بهرب لبعيد بتسبقني

يا حبي صرت بآخر أرض عم أمشي و تمشي فيي الأرض لوينك بعدك لاحقني

كنا تودعنا و صوتك غاب و نادني العمر الفاني

و لما عا حالي سكرت الباب لاقيتك بيني و بين حالي

مشلوحى على بحر النسيان فارقني النوم و كل شي كان

وجك ما كان يفارقني ، و جرب أسبح و يغرقني

رقص و ضحك و سهرية عيد وكل صحابي حواليي

و عم فتش أنا على حب جديد و الناس عيونا عليي

بتطل بيوقع مني الكاس وحدي اللي بشوفك من هالناس

من بين الكل بتسرقني و بتلج الماضي بتحرقني

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى