الرشوة الحلال / ماهر ابو طير

الرشوة الحلال

تشعر بصدمة كبیرة وانت تستمع إلى أحد المسؤولین یحدثك عن أن الفساد بات في كل مكان، وھو إذ یرید أن یقول لك إن الفساد بات منتشرا، ینكر علیك من جھة ثانیة، اتھامك لكبار المسؤولین فقط بالفساد، مقدما الأدلة على ذلك.
الملفات كثیرة، ونرید أن نسمع من أصحاب القرار عن الملف الأول ھنا، وعما یجري في معظم بلدیات المملكة، وعن عدد الذین تم تعیینھم بشكل مخالف، وعدد الذین یداومون فعلیا، خصوصا ان المعلومات تؤكد ان ظاھرة استلام الرواتب دون دوام باتت سائدة في بعض البلدیات، واذا كان البعض یقبل ان یأخذ مالا حراما عبر استلام الراتب دون عمل او دوام، فإن ھذا مجرد فساد صغیر، لكنھ بات منتشرا في مواقع كثیرة، وتتعامى عنھ الحكومات بذریعة أنھا لا ترید الدخول في مواجھات مع أحد.
الملف الثاني یرتبط بظاھرة الرشى في المؤسسات الخدمیة وذات الصلة بالتقدیرات المالیة، التي یمكن رفعھا او خفضھا، وفقا للتقدیرات، او معاییر مختلفة، اذ تتسلل الیھا ظاھرة الرشى، وھناك حكایات تروى یومیا، عن مؤسسات یعتاش بعض من فیھا على الرشى، ولو دققنا في أحوال بعض من تقاعدوا من ھذه المؤسسات، لوجدنا ان احوالھم المالیة تتفوق بكثیر على احوالھم خلال العمل، ومجموع أموالھم یتجاوز بكثیر مجموع رواتبھم، بما یثبت ان ھذه الأموال التي ظھرت فجأة لم تكن نتاج عملھم، او تقاعداتھم.
الفساد، لیس مجرد سرقة مباشرة من الخزینة، إذ إن الإسراف في الصلاحیات بطریقة جائرة وتسخیرھا لمصلحة المسؤول، او لمشاریع غیر مفھومة او مبالغ بھا، او لتعیینات إضافیة، نوع من أنواع الفساد، واذا فتحنا الملف الثالث، أي ملف الجامعات في
الأردن التي تستغیث الیوم من المدیونیة بذرائع شتى، ودخلنا في تفاصیل كثیرة لما فھمنا لماذا تم انفاق مئات الملایین على مبان فخمة جدا ومكلفة وشراء سیارات واثاث فخم، لا تجده في اعرق جامعات العالم، ولماذا تم اغراق الجامعات بتعیینات فائضة عن الحاجة، وھذا الملف یثبت ان الصلاحیات المالیة للجامعات، تم توظیفھا بطریقة تثیر التساؤلات، بما أدى مع عوامل طبیعیة ثانیة، إلى تدمیر بنیة ھذه الجامعات، واغراقھا بالدیون، باستثناء جامعات محدودة.
كل ھذا یعني ان المجتمع یتعامى عن الفساد الذي یفیده، ویصرخ فقط في وجھ الفساد الذي یمس مصلحتھ او یضره، اذ ان اغلبنا اذا استفاد من تخفیض مالي، عبر رشوة، ھنا او ھناك، یسكت ولا یتذمر من الفساد، بل یعتبره حلا، لمشكلتھ، والامر ینطبق على الذي یستفید من إحالة مشروع صغیر علیھ، او الذي یعین ابنھ او ابنتھ بواسطة، وعلى الذي یدفع رشوة، لتمریر معاملة أو رخصة.
المثیر ھنا ان الكل یتوحد، وطنیا، عند اتھام أسماء معروفة، وعند اتھام الحكومات بالفساد، فیما ممارسات اغلب الافراد الیومیة، یتعامى عنھا الكل، كونھا باتت شائعة، ویستفید منھا كثیرون، بحیث یتساوى الراشي والمرتشي، من جھة، مثلما یتساوى الفساد الإداري مع الفساد السیاسي، فلا فرق بین الذي یعین في بلدیة بثلاثمائة دینار یقبضھا دون دوام، مع السمسار على عطاء بملایین الدنانیر.
ھذا یأخذنا إلى الخلاصة، أي ان حالة الانفصام التي نعاني منھا، في حدیثنا عن الفساد یجب ان تنتھي، فالفساد الصغیر مثل الفساد الكبیر، والحلال حلال، والحرام حرام، ولا یجوز ان تكون حربنا على الفساد انتقائیة، فنرفضھ ھنا، ونتورط فیھ ھناك،
والا بتنا كلنا شركاء، لكن لكل واحد فینا مستواه وسقفھ من الفساد.
لیس اتھاما للمجتمع، لكنھا محاولة لأن نؤشر على ان الفساد تسلل الیوم، من الطوابق العلیا، في عمارتنا، إلى الطوابق السفلى،
وقد تعددت أنواع الفساد، ولا یجد من یقبض رشوة صغیرة، تبریرا لفعلتھ، سوى القول، ان من ھم اعلى مكانة منھ، یفسدون أیضا، وان الدنیا ضاقت، ولم یعد ھناك حل سوى المال الحرام، وھي ھنا، بمعاییره رشوة حلال، بعد ان سدت السبل في وجھھ.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى