عمان / منصور ضيف الله

عمان
في عمان كل شيء يغري بالكتابة ، هي مدينة العجائب والمتنافرات ، ومن وهبه الله عينا ثاقبة ستغزوه طيوف من ابتسامات ، وهجنة ، ولكنة . فأبلغ القول ما ارتد صورا متواشحة تلوذ بأطراف الجاحظ ، وتمر نسائم قيظ خلل لحية أبي حيان التوحيدي ، وتذوب شهدا مصطفى على شفتي المتنبي .

اليوم كان مدير المدرسة مرتبكا ومرعوبا أمام صمت المرشد ، وكيف له أن يتجاوز غثاثة الواقع ، وتلبد العواطف ، وتبلد التجديد . يقفز أمامه تارة ، ويلوب تارة أخرى ، وكنت أضحك في سري ، فأسوأ الأمثلة ان يصطنع ضعيف القوة ، وأن يدعي الكمال نقص . خفض عليك أيها الستيني ، وارفق باشتعال رأسك ، فمدارج الوظيفة صعبة ، ودروب الارتقاء مغلقة ، وللامتيازات رجالها .

وما يغري أكثر هو حديث القبول الجامعي ، وهذه الاستثناءات التي تضاهي عاطلي عمان ، ثمة حديث عن قبول جامعي لكلية الطب بالكاد يتجاوز معدل التسعين ، وثمة امرأة أخرى تتحدث عن قبول طب آخر على حساب الأقل حظا ، بربكم أليس جل شعبنا أقل حظا ؟ وعثارة الحظ تتبدى في مشفى البشير ، يقولون : تزدهر الأخطاء الطبية ، وتنمو ، ويمضي بعضهم بصمت ، وثمة قانون قاصر ، يغازل المسائل ، ولا ينفذ للبها ، وأعود : هل لمسألة الاستثناءات علاقة بتدني التعليم الجامعي ؟ وافتقار بعض المهن إلى تقنية عالية في التشخيص والتنفيذ ؟

ولأن عمان غالية ، وغانية ، فقد خرجت من حديث القبول إلى أزمة السيارات واكتظاظها ، كنت على موعد في مشفى الجامعة ، استهلكت عملية الوصول ثلاث ساعات ونصف ، أتخيل سحاب في دولة مجاورة ، والمشفى هناك وراء الحدود . سائقو التاكسي نزقون ، متعجرفون ، يلتقطون ركابهم بعناية ، وخاصة الجنس اللطيف . كانت لحظات الانتظار قرب المبنى الرئيس لأمانة عمان صعبة ، الشمس تقدح في الجبين ، فتوري الزناد اشتعالا ، وتزيد السمرة فحامة وقتامة ، وللون اعتبار في تقديم الخدمة !! وأخيرا يمن علي سائق تاكسي ، ويختار الدروب التي يريد ، مع كم كبير من شكوى وتنافخ ، أما كان يجدر بالحكومة ان تتدخل قليلا ؟وتضع حدا لارتفاع ضمانات التكسي ، واستغلال الضعفاء واستعبادهم تحت طائلة ايجاد فرصة عمل ؟ ان حلقات الاحباط متكاملة ، وتظل في تصاعد إن لم يلمس المواطن ان مظلة الدولة وارفة وقادرة .

في مشفى الجامعة ثمة عجيبة أخرى صادمة ، متنفس المرضى ، والمراجعين ، ومرافقيهم ؛ كافيتريا العيادات الخارجية حيث يستريح الجميع ، تحولت بقدرة قادر إلى سوق شعبي ، تماما على خطى أمانة عمان في تأجير الأمتار ؛ قضامة ، وفستق ، وبوظة عربية ، وأيضا ملابس نسائية ، وتحت عنوان بازار . بقي سؤال واحد رماه أحد المرضى إلى عامل الكفتيريا : وهل ثمة سوق خضرة في الطريق ؟

بصراحة في عمان متناقضات ، أشياء تكبر بصمت ، وتتورم ، ولا أحد يلتفت إليها ، لكنها للأسف تدغم المدينة بطابعها ، وتصمها بوسمها ، وتشي بملامح تقسيمات اجتماعية واقتصادية قاسية . هي بدايات عشوائية لا مطرح فيها لضعيف ، ولا مكان لعاشق .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى