زمن الزيف والأقنعة …. منى الغبين

لم أستغرب الخبر الذي نشر من ارتفاع نسبة الرجال في الأردن الذين يراجعون عيادات التجميل لإجراء عمليات لتحسين ملامحهم , وأنّ 10% من هؤلاء المراجعين يأتون لتلك العيادات حاملين صور المشاهير طالبين من الجراحين أن يكونوا مثلهم , وأنّ أكثر عمليات التجميل التي يلجأ لها الرجال في الأردن هي عمليات تجميل الأنف في المقدمة، ثم عمليات شفط الدهون، وشد الوجه , والجفون وحقن ” البوتكس ” والفيلر” لإزالة التجاعيد. لم أستغرب تنامي هذه الحالة عند الرجال وإن كانت غير مبررة بتشوهّات أو عيوب خلقية مع أنّ المعروف أنّ النساء هن من يلجأن منذ القدم على التزيّن بالأصباغ وغيرها لتحسين وتجميل الملامح , وعدم الاستغراب آت من طبيعة حياتنا الزائفة التي كلّ ما فيها زائف وممكيّج وغير حقيقي , ومبني على المظاهر والشكليات مع إغفال تامّ للمضمون والجوهر . أينما التفت ستشاهد الزيف , والاصباغ , والمكياج الذي يخفي النقائص والقبائح والعيوب : أعلى الشهادات العلمية التي تخفي الجهل الفظيع لحامليها , سيارات فارهة تخفي حالة الفقر والديون الباهضة للبنوك والشركات التي تبيعها على هؤلاء الحمقى بضعف سعرها بالأقساط , وقل مثل ذلك في البيوت , والأثاث , وما إلى ذلك من مظاهر البذخ الكاذب . ألقاب التعظيم والتفخيم والسؤدد التي تطلق على من لا يستحقها فلا الباشا باشا , ولا الشيخ شيخ , ولا السيّد سيّد , ولا الكاتب كاتب , ولا الشاعر شاعر , ولا المفكّر مفكر , ولا الرجولة رجولة , ولا البطولة بطولة , فالحال كما قال شاعر الأندلس : أسماء مملكة في غير موضعها … كالهِرّ يحكي انتفاخاً صَوْلة الأسد. المؤسسات من جامعات , ووزارات , ومستشفيات ذات أبنية فخمة , وكوادر بشرية هائلة , وتكاليف باهضة , ومردود هزيل . عندما يصبح كلّ ما في الحياة كالقبور المشيدة المزخرفة المرصعة بالدرر والجواهر وباطنها معروف للجميع فلا غرابة أن ينشغل الناس بتحسين مظاهر أنفوهم غير آبهين لانعدام حاسّة الشمّ التي تجعلهم لا يشعرون بروائح الفساد المنتنة التي تهبّ من كلّ مكان ! وللشيخ الهرم والكهل المترهل أن يشدّ ما ترهّل من الجفون وما تدلّى من اللغاليغ فيتصابى وينال إعجاب الصبايا , فحياة الزيف هذه لم تترك منفذا لطاقات الإنسان إلاّ في هذا الجانب . وللشاب أن يغيّر ملامحه لتتفق مع مغن أو ممثل ؛ لأنّ ملامح أمثال وصفي وصدام لم يعد لها سوق, تلك الملامح التي قال قائل أصحابها من الأبطال : ” فإِنْ لا تَكُ المِرآةُ أَبْدَتْ وَسامةً ……… فقد أَبْدَتِ المِرآةُ جَبْهةَ ضَيْغَمِ” . أو كما قال الأستاذ أبو الحسن عارف الجمّال في وصف وصفي التلّ : مدبج الوجه أكراد خؤولته ** مقدّم الرأي نجم ٌ في الورى سطعا . لو طال عمر له ما اختال ثعلبها ** عمان يوما ولا ذئب بها طمعا ” عندما تصبح الفسولة رجولة وبطولة , وعندما تصبح الميوعة مظهر عنفوان وفتوّة , فيصبح الجميع كطيور الأوز الذي يصعب التفريق بين ذكوره وإناثه فلا غرابة ولا عجب مما حصل ويحصل . وعندما يهزل العلم , وتصبح الثقافة مجرد سخافة فيحقّ لكلّ من كتب عشرة أسطرلا تستحقّ علامة 30% من معلم مادّة الإنشاء في الصفّ السابع أن يسبق اسمه بلقب ” الكاتب” أو الكاتبة , ولينتحر طه حسين , والرافعي والعقّاد , وليشنق القلم نفسه , ولتلقي الكتابة نفسها من أعلى الجبل إلى واد سحيق فتصله أشلاء ممزقة تذهب مع حميل السيل . وليأتين يوم تتساقط فيه جميع الأقنعة , وتذوب جميع الأصباغ , والألوان , وليذوبن الثلج فيجعلنا نقف أمام الحقيقة وجها لوجه , فتسوّد وجوه مزيّفة وتقابل بما تستحقّه من صفع , وتبيّض وجوه لم تعرف الأصباغ ولا الأقنعة , قبضت على جمر ما ينفع الناس , وما ينفع الناس هو ما يمكث في الأرض أمّا الزبد فيذهب جفاء .

منى الغبين

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى