نور على نور

#نور_على_نور

د. #هاشم_غرايبه

في الظلمة الحالكة، يطلب الناس النور ليتبينوا ما حولهم، منهم من يجده في شمعة، وآخر في مصباح نفط، وغيرهم مصباحا كهربائيا، فيما يستنير الأوفر حظا بكشافات إنارة قوية.
كل هؤلاء، وحينما تطلع الشمس يطفئون مصابيحهم جميعها، قويها وضعيفها، إذ لم تعد لديهم من حاجة لها، فنور الشمس يغلب كل إضاءة، كائنا ما كانت.
هكذا هو هدى الله، لا قيمة لأي منهج بشري بوجود منهج الله.
الأعمى فقط هو من لا يختلف عنده الضياء عن العتمة، لأنه لا يستفيد من نور الشمعة ولا من نور الشمس، لذلك من عمي عن الهداية التي أنزلها الله على البشر فهو أعمى، وأورد تعالى ذلك في كتابه العزيز، بشكل محاورة يوم الحساب بين رب العزة وذلك الذي تنكب الهدى: “وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى . قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً . قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى” [طه:124-126].
فالإعراض عن آيات الله هو العمى، لأنها جاء بها الخالق ليهدي الإنسان الى علة وجوده وتحقيق الغايات التي وجد من أجلها، وبوسيلتين هما الكون والقرآن، ووهب العقل للإنسان أداة لفهما.
الكون قرآن صامت، ففي كل جزئية بسيطة أو عظيمة، دقة وإحكام صنع، ليعلم العقل الباحث عن المعرفة أن من أبدع كل الموجودات إله عليم، وعلى كل شيء قدير، ثم ليجد العقل أن التناغم والتكامل وتنظيم الأدوار بين كل تلك الجزئيات، يدل على أن الخالق المدبر واحد لا يتعدد.
والقرآن أعظم من كل ذلك، لأنه كون ناطق: يفسر ما استغلق على البشر فهمه من الآيات الكونية والتكوينية، ويبين لهم ما ينفعهم وما يضرهم في معيشتهم (الحلال والحرام)، والتشريعات الكفيلة بتجنيبهم الخلاف والتنازع في علاقاتهم، ويبين لهم سبل الاعداد للحياة الثانية، والوسائل الكفيلة بنيل رضا الله وتجنب سخطه.
أما العقل فزيادة على مهمته الأساسية في فهم ما سبق، فقد أتاحه الله للبحث التجريبي لكي يتوصل به الإنسان الى اكتشاف السنن الكونية والاستفادة من قوانينها باختراعات مفيدة تسهل أمور معيشته وتحقق له الرخاء.
العاقل ذو البصيرة هو من استخدم العقل في مهمته الأساسية، فوصل الى النتيجة المنطقية، بأن نتيجة البحث المعرفي الإيمان، ونهاية العلم التوحيد، ثم استفاد منه في مهامه الثانوية في البحث التجريبي والاكتشافات والاختراعات.
أما أعمى البصيرة فهو الشقي بعقله، فأعرض قصداً عن مهمته الأساسية، واقتصرت استعمالاته له على المهام الثانوية.
لقد أراد الله تعالى بإنزال القرآن الكريم هداية من عمي عن رؤية آيات الله في نفسه وفي كل ما حوله، وليكون مرجعا موثوقا للدين والتشريعات.
ولأنه الكتاب النهائي لكل الكتب السماوية، فقد زوده بخواص تضمن هيمنته على الكتب السابقة ليكون بديلا مغنيا عنها، ومرجعا وحيدا للدين الذي أنزله على البشر على مراحل.
هذه الخواص والميزات هي:
1 – ينفرد القرآن الكريم بأنه محفوظ من قبل الله، لأنه أراده أن يبقى مرجعا للعالمين الى يوم الدين، وأما الكتب السابقة فكانت محددة بحقبة زمنية، فلم يشأ حفظها.
وحفظ القرآن يثبته وجوده على صورة واحدة، هي النسخة الأصلية ذاتها، فلا تجد بين الملايين من المصاحف وعلى مدى العصور أي اختلاف ولو بحرف واحد.
2 – يتميز القرآن عن كلام البشر باعجازاته البلاغية والعلمية، فكل من يعرف العربية يجد أن لغته فريدة، لا ترقى إليها أية صياغة بشرية، ويستطيع حتى قليل الثقافة التمييز بسهولة بين كلام القرآن والحديث النبوي، الذي هو كلام أكثر البلغاء فصاحة.
وأما الاعجازات العلمية فهي لتقطع بأنه كلام الله، لأن تلك المعلومات لم يكن البشر يعلمونها زمن التنزيل.
3 – ومما يثبت أنه كلام الله أنه لم يتنزل كاملا، بل آيات متفرقة وغير متسلسلة ولا مبوبة على مدى 23 عاما، مما يستحيل معه أن يقولها بشر ولا ينسى أو يضل عن ترتيب آية، وتبلغ الاستحالة درجة المطلق عندما يكون من نزلت عليه لا يقرأ ولا يكتب، ولم تكن آلات التسجيل والتصوير معروفة آنذاك.
مما سبق نفهم، لماذا يثير القرآن الكريم حنق المكذبين بالدين، فعقولهم قاصرة عن نقضه.. لذا يلجؤون الى حرقه!.

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى