أبوغيث / كامل نصيرات

أبوغيث
قبل قليل كان هنا ..الله كم كان يملأ العمارة ضجيجاً جميلاً وحركة تنبئك بأنفاسه المقبلة على الحياة ..عندما رحلتُ إلى عمّان قبل ست سنوات ونصف السنة هو من بادر وتعرّف إليّ ..هو من عرض عليّ المساعدة كلّما احتجتُ ..هو الذي كلّما سمع صوتي وجدته على باب شقته : خير أبووطن ؟.
كان أولادي يتعرّفون عمّان ..بل الحارة ..بل العمارة وما حولها ..وأنا أعرف الناس بأولادي القادمين من قرية الكرامة في الغور حيث السكن الأرضي والحوش والمساحات الشاسعة يطاردون فيها كيفما يشاءون ؛ وانتقلوا فجأة إلى ضيق المساحة وسط أناس غرباء والمساحتان الوحيدتان المتاحتان لهم هما الدرج والأسانسير وكانوا يملأونهما ضجيجاً سيئاً يزعجني قبل أن يزعج غيري ..وكان أبوغيث كلّ مرّة يخرج إليهم يحاول ضبطهم وأنا عشتُ بين الصراعين ..صراع يجب ضبط أولادي العفاريت وصراع كيف أوفّر لهم مساحة يطاردون فيها ويمارسون طفولتهم وألعابها المتعددة..! لذا ؛ تركتُ له الحرية الكاملة بالتصرف معهم ثقةً فيه وأريح لرأسي الذي جلبوا له الوجع.
ما أود قوله ..أن أبا غيث كان حاضراً بكل حكاياتنا وتفاصيلنا ..غاب ذات يوم غياباً طويلاً فعلمتُ أنه كان مسافراً عند أحد أبنائه ..وغاب قبل شهرين وأكثر ..افتقدته ..فأدركتُ أنه سافر مرة أخرى ..لم أعد أراه على البلكونة ..ولا في الأسانسير ولا وهويحمل أغراضه بيديه ويمشي في الشارع العريض ..لم يعد له صوت ليعترض أويحتج على خطأٍ هنا وغلطٍ هناك ..! ولكنه لم يكن مسافراً ..قيل لي هوطريح الفراش كل هذا الزمن ..زرته ..وليتني لم أفعل ..فأنا ضعيف أمام الأمراض الكبرى ..أهرب منها ولا أعود..كم فرح بزيارتي ..!
ذهبتُ للغور اسبوعاً وعدتُ ..كان رحل ..وتركني أشمّ رائحته في درج العمارة وأسانسيرها ..! رحل أبوغيث «سمير سهاونة» جاري المسيحي الذي لم يرَ الناس ضعفه وهو يرحل بقامةٍ لم تنحنِ.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى