ماذا يحدث في غزّة؟

ماذا يحدث في غزّة؟

إعداد: سليم النجار- وداد أبوشنب

” مقدِّمة”

مفردة “السؤال” وحدها تحيل إلى الحرية المطلقة في تقليب الأفكار على وجوهها، ربّما هدمها من الأساس والبناء على أنقاضها، كما أنَّها من أسس مواجهة المجازر وحرب الإبادة التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني في غزّة والضّفّة، من قِبَل الاحتلال الاسرائيلي٠

في هذا الملف نلتقي بعدد من الكُتّاب العرب الذين يُقدِّمون لنا رؤاهم حول ماذا يحدث في غزّة؟

وما يستدعي الدرس والتمحيص والنقاش والجدال والنقد، لأنّ الأشياء تحيا بالدرس وإعادة الفهم، وتموت بالحفظ والتلقين٠

الفنان التشكيلي د. #مروان_العلان من الأردن يكتب لنا من زاويته “ماذا يحدث #غزة”؟

هراء في هراء: رؤية لما يجري

د. مروان العلان/الأردن

لا وقت للشعر والهذر.. الوقت للبنادق، وما تبقى هراء أمام دمنا (غازي الذيبة من منشور على صفحته).

1- ما حدث سببه اقتصادي: صراع المصالح

عيوننا مسمّرة في اتجاه واحد هو شاشة التلفزيون، وربما شاشة الهاتف لمن يتقنون البحث فيه، إنها معركة غزة.. معركة فلسطين بكاملها، رغم أنها بدأت في غزة ونظرًا لأننا شعوب لا تقرأ ولا تفكر بما يكفي لتعرف ما الذي يجري، فإن كل واحد منا يغدو محللا استراتيجيًا ومفكرا سياسيًا لا يشقّ له غبار، وندبّج القصائد وأشباه القصائد، ونكتب القصص وأشباه القصص، ونرسم اللوحات وأشباه اللوحات، ناهيك عن ذاك القيء الذي ينثره روّاد مواقع التواصل على أرضية وعينا، ونحن نبذل الجهد لكنسه وتطهير وعينا مما علق به.. وأؤكد مع الشاعر غازي الذيبة بأن كل ما نرشقه في فضاءاتنا الثقافية هو هذر وهراء و”كلام فارغ” أو ربما “كلام مليان كلام فارغ” كما يقال، فعند انطلاق رصاصة لا يبقى لسان ينطق، ولا ريشة ترسم، لأن هناك من يريد أن يقتل.. وإذا استعدنا تاريخ الأدب والفن عبر الزمن سنجد أن كل ما أنتجته البشرية لم يكن له دور أساس في حياتها. ربما كان له دور في تثقيفنا وإنشاء وعينا المهترئ، وهذ ثقافة كالغبار تتناثر مع أول نفخة من بندقية أي مقاتل.. مشكلتنا ليست في فلسطين لنقول إنّ أوسلو هي السبب أو أن وادي عربة هي السبب أو أن كامب ديفيد هي السبب.. بل ليس تصريح بلفور هو السبب، لأن التاريخ لم ينعطف انعطافة هامّة بحدوث هذه الأحداث.. ومع أنني لست ماركسيّا بما يكفي للتحليل لكنني أستطيع القول بأن العامل الاقتصادي الذي أفرز قوى الاستعمار وأوجد تلك الحالة الهمجية في علاقات الدول، هو السبب القديم الجديد، وكل ما حدث ويحدث ذو علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالعامل الاقتصادي الذي حدّد مصالح الطبقة الرأسمالية الهمجية، وأعطاها القوة والقدرة لتجيير كل ما يجري على وجه الأرض لصالحه، بدءًا من نشوء الأديان وليس انتهاء برسم لوحات مايكل أنجلو ونحت تماثيله، ضمن تفاصيل متشعبة لا يسمح المجال بالحديث عنها.. مصالح أمريكا في المنطقة هي جزء هام من مصالحها ومشروعها في السيطرة، ومصالح روسيا، وقبلها الاتحاد السوفييتي والصين في المنطقة على ذات المستوى من الأهمية، والصراع الدولي كما يعرف الجميع هو صراع المصالح، وما لم تكن الشعوب والدول في ذات الميدان، وعلى نفس المستوى، فإنها ستُداس تحت الأقدام كشعوب، أو تصبح كأنظمة تابعة ودول عميلة خادمة لمصالح أصحاب المصالح المتصارعة..

تحاول إيران أن تنضم لنادي أصحاب المصالح الكبرى.. وكذلك تركيا، وقد أريد لإسرائيل أن تكون كذلك، إلا أنها لم تنجح فيما يراد لها، رغم حيازتها على القوة العسكرية الهائلة التي يمكن أن تخيف أنظمة تافهة كالإمارات والسعودية والبحرين والأردن ومصر.. خصوصًا باحتمائها بالولايات المتحدة وتمترسها خلف وقوفها معها دون تردد، مهما تغيّر الحزب الحاكم هناك.. صنعت إيران أدواتها في المنطقة، ووضعت أمريكا أنظمة موالية لها، منها الموالون الظاهرون أو الخفيّون، وتقاطعت المصالح..

2- فلسطين بين أمريكا وإيران والمقاومة

في فلسطين كانت السلطة الفلسطينية بقيادة فتح أداة إسرائيل وأمريكا، وعندما انشقت “حماس” عن السلطة، واستفردت بغزة لم تكن قادرة على الوقوف وحدها لتتحمّل مسؤولية مليوني إنسان هناك.. فكان لا بدّ لها من جدار تحتمي به، وعندما استعرضت من يمكنهم الوقوف معها لم تجد سوى إيران بصفتها البقرة الحلوب، لتيار أطلق عليه مصطلح المعارضة أو الممانعة أو الرافضة.. وتأطّر بمصطلح “المقاومة”.. حتى صارت مهمته إعطاء شهادات انتماء تحمي متلقي تلك الشهادة من تهم التقصير والتخوين والخذلان.. فاعتبرت إيران أن “حماس” تصلح جزئيّا كأداة من أدواتها، وإن برتبة أدنى من رتبة “حزب الله” في لبنان أو “أنصار الله” في اليمن.. إيران لها مصالحها المتشعبة مع روسيا والصين وسوريا واليمن وغيرها، وهي تبني مصالح مختلفة من دول الخليج وغيرها، رافعة شعار “أمريكا هي الشيطان الأكبر”، وبالنسبة لها فإن فرصة ضرب إسرائيل تعتبر مطلبًا من مطالب المعركة مع أمريكا، لذا كان لا بدّ من تزويد حماس بما تستطيعه، والتعاون الاستخباري معها، والوعد بنصرتها ما أمكن ذلك.. ودخلت “حماس” اللعبة.. ومنذ تأسيسها اتبعت أساليب مختلفة في ضرب المصالح الصهيونية، واستطاعت استقطاب الوعي الفلسطيني المتصف بصفتين أساسيتين: التديّن الساذج، والعاطفة الهوجاء بما في ذلك التعلق بحبال الهواء، كما يقال.. وبعد تخطيط مدروس جدًا واستعداد كبير، دخلت حماس معركة السابع من أكتوبر الماضي.. كان مفاجأة هائلة لم تكن في حسبان أكثر أذكياء الاستراتيجيا قدرة على التحليل، حتى أن قادتها في الطرفين أنفسهم فاجأتهم دراماتيكية الأحداث وقسوتها على الجانب الإسرائيلي، فقد انهار الكثير مما حاولت إسرائيل بناءه عبر سبعين عامًا من احتلال فلسطين.. بصفتها القوة المختارة لتكون مركز الهيمنة الامبريالية ورأس حربتها، وأن عليها أن تعمل لضمان تبعية كل الأنظمة التي قامت قوى الاستعمار بتعيينها لحماية هذا المركز.. إنها “كيان أمريكا المختار”. وكان لا بدّ لإسرائيل أن تعمل بكل جهدها لترميم ما تهدّم من بنائها، بالانتقام، ولو بالتهديد باستخدام القوة النووية، وهو تهديد يعكس مدى الألم الذي يعانيه هذا الكيان.. ومع الحرب الإعلامية الهوجاء في كل وسائل الإعلام في العالم، والسباق المحموم بين القوى المتصارعة لتأييد طرف دون طرف، كانت كارثة فلسطين التي يعيشها هذا الشعب المنكوب بقياداته، بين قيادة مغامرة وأخرى عميلة، وعدوّ مؤمن بأهميته في الصراع العالمي، ومستعد لبذل كل ما يصله من صانعيه المعنيين ببقائه الكيان الأقوى بين كل كيانات المنطقة..

3- فلسطين تدفع الثمن

وها هو الشعب الفلسطيني يدفع ثمنًا غاليًا جدّا في هذه المعركة، دون أن يعرف إلى أين تقذف به أمواج الصراع العالمي، وإلى أين سيرسو إذا ما كان هناك مرفأ يرسو عليه.. الثمن كبير ليدفعه شعب صغير.. عندما قُتل أربعون مليون أوروبي في الحرب العالمية الثانية، لم يأبه الغرب وهو المستفيد المباشر من الحرب لكل هؤلاء، لكن شعبًا ما يزال لم يتمتع ليوم واحد بهوية خاصة به، فالثمن كبير جدًا.. ولذا فكل ما نكتبه ونرسمه ونقوله، بل كل مظاهرات العالم مهما كان عدد المشاركين بها لن تؤثر في السياق الذي قررته أمريكا لترتيب المنطقة.. المظاهرات في العالم قد تغيّر رئيسًا هنا، أو حزبًا هناك.. لكنها لن تغيّر من وعد بلفور وإطلاق يد الكيان الإسرائيلي في تحقيق الهدف الأكبر، وهو السيطرة على المنطقة لصالح الولايات المتحدة سواء في مساحة جغرافية ضيقة هي (من البحر إلى النهر) أو لو اضطرت للتوسّع شرقًا أو غربًا.. شمالا أو جنوبا..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى