يوم تتدحرج الرؤوس

يوم تتدحرج الرؤوس
د.فلاح العريني


لقد كان خطاب وزير الاعلام المبجل يوم أمس، يمثل عقيدة قتالية وكأننا على مشارف القدس او على شفا حفرة من وكر الفساد..
لقد تحدث بما يعيدنا لزمن الحجاج، وجعلنا نظن ان دولة رئيس الوزراء (خليفة الأردنيين) قد بعث به والياً علينا لتطيح برؤوسٍ تحجرت ويبست ونالها العناد..
الفرق واضح يامعالي الوزير، فلو رجعت إلى كتب التاريخ لما تطرقت إلى مايشبه قول الحجاج، فالزمان ليس نفسه الزمان، والغاية والهدف في الامس ليست هي غاية اليوم وهدفه، حتى الشخوص في الأمس لاتشبه حالنا اليوم..
ولو رجعت لابسط كتب الاعلام واعجمية القلم الصحفي الحر، لكانت لك نبرة في الصوت وسياسة في الاداء ودبلوماسية في التهديد والوعيد..
لكن مجالك الهندسي الذي نحترمه ونجله، لاعلاقة له بحال الوطن الاعلامي..
الذنب ليس ذنبك يامعالي الوزير، انما ذنب من لايضع التخصص المناسب امام الميكروفون المناسب..
دعنا سوياً نعرج على خطبتكم العصماء يوم امس، ونحلل ماجاء بها لعلنا نتعض ونحكم بالعدل ولانظلم:
اولاً: جاء خطابكم ليحاكي ماجاء به الحجاج، وهذا فيه تعدٍّ صارخ على تاريخ الحجاج والحقبة السياسية التي جاء بها..
فالحجاج حكم في العصر الأموي، وليس في العصر الكوروني المتكور على جنبات الاردنيين، وجاء به عبدالملك بن مروان وليس دولة رئيس الوزراء..
وجاء اختيار الحجاج لصفات تتعلق بسيرته الذاتية وكفاءته، فقد كان الحجاج قائدا عسكريا ومن امراء الحرب، وتولى قتال عبدالله بن الزبير في الحجاز، وقتله وفرق جمعه..
لهذا الصفات اختاره عبدالملك بن مروان، ولم يكن اختياره كما هو حالنا اليوم على اساس المناطقية او العشائرية والعلاقات الجانبية التي اودت بالوطن إلى قعر اليأس..
عندما قام عبدالملك بن مروان باختيار الحجاج كان لسببا وجيها اساسه اخماد الثورة في العراق والكوفة تحديدا في وقت كانت فيه الدولة الاموية مترامية الاطراف، اما نحن وقد جاء بك دولة الرئيس واليا علينا، فنحن دولة مستقرة وآمنة بحمد الله، وليس هنالك بصيص ثورة لاسمح الله، او خروجاً عن المألوف، حتى تأتينا قامعاً وبلسان حربٍ خطير..
ثانياً: كان خطابكم في مجمله موجها لرئاسة الوزراء، وهذا مؤشر خطير جدا من ناحيتين:
الناحية الأولى: كيف تأتي مهددا لمجلس وزراء ورئاسة وزراء أنت جزءا منها، وكأنك في خطبتك العصماء تخبرنا بأن الحكومة ليست محل ثقة، فإذا أنتم في مجلس وزرائكم الموقر وفي رئاسة الوزراء لاتثقون بانفسكم فكيف لنا ان نثق بكم، وان كان الامر صحيحا كما تدعي بأن هنالك تسريب لقرارات مجلس الوزراء والتي تمثل احد اسرار الدولة فيعد ذلك خيانة عقوبتها قد تصل الى الاعدام بحق من اقترف الخيانة..
ثالثاً: لغة التهديد والوعيد لغة دخيلة على الدولة الأردنية، فنحن شعب منسجم مع الوطن اخلاقيا بما يكفل كرامة المواطن وهيبة الوطن، والتضحية والانتماء عقيدة راسخة في قلوب الأردنيين اساسها سليم ونهجها نظيف، ولم يكن حبنا للوطن يوما ثمرة خوف او بحثا عن مغنم او منصب او جاه كما هو الحال لدى مسؤولي الوطن والذين بلينا بهم.
رابعاً: من خلال مؤتمراتكم الصحفية المثقلة بالارتباك والمتواترة يوميا، وجدت وانا لست اعلاميا انكم تخلون تماما من اي لغة اعلامية رشيقة، وهذا شيئا طبيعيا مادمت لم تمارس الاعلام يوما لادراسة ولاهواية، فالكل يعلم ان الصحافة والاعلام تمثل السلطة الرابعة في الدولة، وهي من توجه الرأي العام وارادة الشعب بما يكفل احياء الحس الوطني ومعرفة اصول المواطنة الصالحة..
لكن ماوجدناه في حكومتنا وبكل اسفٍ والم انها اصبحت في مقدمة دعوات الشعب عليها، واحتسابها امام الله بعد ان انغمست في شبهات هي في غنى عنها، وتخبط وتقاطع في الأوامر والتصريحات، حتى اصبحنا في حيرة من أمرنا، بين خائف على الوطن وصارخ في وجه اعدائه، فعدو الوطن عندما يكون من الداخل فتلك الصرخة التي مابعدها الا الموت..
خامساً: معالي الوزير، لو ترك لي الامر ان اكتب لك تصريحك الاعلامي حول الرؤوس المتدحرجة والذي جاء على انغام سمفونية الحجاج، وانا مثلك تماما اجهل الاعلام والبيئة الاعلامية ولكن حباني الله بالرَّويَّة التي قد تقتل فيني ماتبقى من شهيق وزفير، لكتبت لك الآتي:
“أيها المسؤولون..
إني والله قد رأيت وسمعت وعرفت أن هنالك رؤوساً قد أينعت وحان قطافها واني والله لقاطفها، حتى تتدحرج بين الخزينة والوطن..
رؤساً اينعت وكبرت بمال السحت والسلب والنهب، وقد حان وأدها”.
هذا هو خطاب الحجاج الذي نريده يامعالي الوزير لا اكثر..

عاد_الحجاج

د.فلاح العُريني

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى