” يا أمي !! “

” يا أمي !! ”
د. محمد شواقفة

علمت من أخيتي أنك زرتها بالمنام ….تسألين عني و تطلبين منها أن تحضر لي الطعام …. تسألينها : إن كنت سأحب ذلك الطبق أو لا ….

لماذا لا أرى طيفك و لو حلما …. هل رحلت و في خاطرك بعض الكلام الذي كنت ترغبين بالبوح به لي …. هل عندك عتاب لي … لم أك إلى جانبك عندما كنت ترفلين في الحياة …. و لم أمض سنين عمري بين يديك و تحت قدميك …. لا زلت أذكر عندما غادرت سريرك في ذلك المشفى الكئيب ..و لم أودعك … و لم تفصلني عنك سوى لحظات لم تتجاوز عشرات الدقائق …. لا زلت لغاية اللحظة غير مصدق أنك رحلت …

لقد رأيت أقمارك التسعة حولك يبكون و أنا عاشرهم لم تنزل لي دمعة … و رحت أضم هذا و أواسي ذاك … و لكنني لم أبك و لم تخرج من صدري أي آهات … و حملتك بيدّي و أسجيتك لرقودك الأخير … اقترب بأذني من فمك الذي صمت منذ عدة سنوات …استجدي أن أسمع بقية من همسات … أو كلمة قد ترشح مع آخر الأنفاس التي غابت …و لكن هيهات ….

أذكر النسوة في البيت تنتظرك و تلقي عليك النظرة الأخيرة … و أنت لا ترحبي بزوار بيتك الذين لن يزوروه مرة أخرى …. و لم تفح رائحة قهوتك و لن تقرأي لي فنجاني المقلوب بعد اليوم …. تناديك صديقة لا أعرفها و ترد عليها النسوة بالنحيب و العويل و يرتل أحدهم آي من الذكر الحكيم و دموعه تبلل وجنتيه فلا يستطيع إكمال الآيات … و أحملك مرة أخرى في عجالة و لا ينفع معي استجداء أخيتي التي غاب صوتها حشرجه تشبه الموت …. و كأنني أمتلك كل القسوة في تلك الجدران و الابواب الموصدة و أحث الخطى لتغادري البيت جسدا بعد أن سبقته حواسك كلها في الرحيل قطعة قطعة ….

يا أمي … لم نمض معا أي وقت …لتحدثيني بأخبار و قصص و حكايات … جميع قصصنا مبتورة …و أغلب صورنا لا ترسم فصول قصتنا … هي فقط صورتي التي إحتلت ذلك الجدار البائس الحزين و أنت تنظرين إليها كل لحظة و حين و أنا هارب في غياهب الاغتراب في دنيا اليباب …

أحاول النوم …لربما يزورني طيفك في الحلم فتحدثيني …و لكنني لا أستطيع … أنام بعيون مفتوحة ..و في قلبي ألم لا أعلم إن كان سيلزمني الصمت الذي داهمني منذ رحلت …

أرسم ذكريات لم تحدث … و أخطط لأشياء لن ترى النور … و لكنني أفكر في كل لحظة .. ما الذين تودين قوله لي … هل هو الحنين ام لوعة الفراق …؟!… هل هو وهم تمنته النفس من الاشتياق ؟!… أم تراه … أن فراشة روحي تدنو من اللهيب و لا تخشى الاحتراق ؟!

لم أزر قبرك …لأنني هربت من جديد …. أعاشر البعد و الإغتراب … فكل الازمنةمن بعدك لم يعد لها معنى …و كل الاماكن لم تجد فيها روحي أي مأوى … باردة هي الدنيا و مظلمة … سأحاول النوم لربما أراك في حلمي … يا رب لا تحرمنا هذه الرؤيا !!!

” دبوس على الاحلام ”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى