وقفات
في طريقي إلى المنزل بعد زيارتي للمخبز وإحضاري بربع دينار خبز أبيض وبالربع الآخر خبز أسود ، صادفني أحد أصدقاء الطفولة وقد بدت عليه ملامح الشيخوخة المبكرة، شيب كثيف، لحية طويلة، ضيف نفس، أطراف قميص خارجة للتنزه من الطرف الأيسر للبنطلون الكتان، بصراحة في بادي الأمر لم أتذكر اسمه ، فقد مرت سنين طويلة على آخر إنزال خلف أسوار المدرسة مارسناه سوياً ، لكنني كالعادة وعند نسياني أسماء الأصدقاء أستنجد مباشرة بـ “أبو حميد” ، فأغلب الأصدقاء السابقين أما من حُمِّد وأما من عُبِّد، وبعد العناق والتحضين المتخلل بالتبويس المعجوق، بادرت أنا بالسؤال:
ها أبو حميد ولك وين هالغيبة؟ ولك متغيّر! أكيد تجوزت !
وبعد شرحه المفصّل لي عن مسيرة حياته من تعلمه لحرفة النجارة، مروراً بمغامراته في لبنان وصولاً عن كيفية تطليقه للزوجة الأولى واستبدالها بابنة عمه التي أصبحت حرمه المصون.
وعند سؤاله لي : ولك وين بتشتغل يا هامل؟
كانت إجابتي المصاحبة للضحكة الصفراء (لأن الخبز الأبيض بدأ يشكو البرودة لأخيه الأسود) والله يا أبو حميد بشتغل مدرس 😊.
فكان جوابه مدوياً : يلا الشغل مش عيب.
بصراحة لم ألوم صاحبنا أبو حميد على ردة فعله عند سماعه “مهنة التعليم” ، فهذا وللاسف الشديد رأي غالبية الشعب الأردني بكافة أطيافه ، ردة الفعل هذه هي نتاج لسياسة ممنهجة كانت وما زالت تهدف لهدم قيمة العلم والتعليم، هذه السياسية عربية المنشأ والتنفيذ، من خلال تحطيم المعلم واسقاطه مادياً ومعنوياً في عيون المحيطين به .
فتخفيض راتبه ومساواته بمن لا يحملون شهادة الصف الرابع الابتدائي في بعض الوظائف الأخرى بالإضافة إلى سحب بساط الصلاحيات الصفية من تحت أقدامه ما ھو إلا تنفيذ للمشروع الأهم في نظر ساسة المجتمع بأن يتحول المعلم من قامة علمية شامخة كما هو الحال في كل دول العالم المتقدم إلى موظف غلبان يشفق على حاله العدو قبل الصديق.
من خلال خبرتي في الأفلام الأجنبية الأمريكية بالذات لم أصادف فلماً يحمل مقطع ساخر عن العملية التعليمية، مقارنة بالافلام والمسرحيات العربية والمصرية خصوصاً التي أنتجت مسرحية كاملة تدعى “مدرسة المشاغبين” تسخر فيها من المعلم وتحوله إلى أضحوكة تزرع في عقول الأجيال بأن المعلم هو “بهلول” وأن “حضرة الناظر” ما هو إلا متسلط صاحب عقل متحجر.
المؤسف أننا گ أمة اقرأ أصبحت مهنة التعليم محط شفقة عند البعض وسخط وسخرية عند البعض الآخر ، فبعد أن كنا نقوم للمعلم الذي كاد أن يكون رسولاً ، أصبحنا نجلس أمامه ناظرين ضاحكين مستشفقين “يلا الشغل مش عيب”.
ملاحظة على الهامش..
صديقي طلع اسمه علي
#وقفات
#سامي_السلوادي